طوق النجاة: دليلك الشامل للتعامل مع الأفكار الانتحارية

الكاتب - أخر تحديث 4 مارس 2024

تشكل الأفكار الانتحارية تهديداً خطيراً لحياة الفرد ولا يمكن تجاهلها أو إهمالها حيث تعدّ مؤشراً على وجود رغبة حقيقية في إنهاء الحياة وتتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل المختصين والأفراد المقربين لتقديم الدعم والمساعدة اللازمة للشخص الذي يحاول الانتحار.

ما هي الأفكار الانتحارية؟

تعد الأفكار الانتحارية "suicidal ideation" خواطر تدور في ذهن الشخص الذي يحاول الانتحار تتعلق بكيفية إنهائه للحياة وقد تتعدى مرحلة الخواطر حتى تصل إلى الرغبة في التنفيذ.

من ناحية أخرى لم يعد الانتحار يقتصر على الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب بل باتت الضغوط الحياتية والمجتمعية والنفسية تشكل عوامل محفزة لذلك.

إحصاءات عن الانتحار

تظهر الدراسات الطبية أن نسبة انتشار الأفكار الانتحارية بين مجموع السكان تصل إلى 9% (1) بينما فكَّر ما لا يقل عن 20% من المراهقين بجدية في محاولة الانتحار بما يعد مؤشراً مقلقاً يستدعي اتخاذ خطوات جادة للحد من هذه الظاهرة. (2)

وتجدر الإشارة إلى أن نحو 12.3 مليون أمريكي بالغ فكَّر بجدية في الانتحار منهم 3.5 مليون أعدَّ خطة لذلك بينما كانت هناك 1.7 مليون محاولة حقيقية للانتحار. (3)

كما بيَّنت الدراسات الطبية أن معدلات الانتحار ارتفعت بنسبة 36% تقريبًا بين عامي 2000 و2021. وكان الانتحار سبب وفاة 48183 في عام 2021 بما يمثل وفاة حالة واحدة كل 11 دقيقة.

أنواع الأفكار الانتحارية

تتنوع الأفكار الانتحارية وتشمل ما يلي:

1- الأفكار الانتحارية غير النشطة

تعد الأفكار الانتحارية غير النشطة "Passive suicidal ideation" مجرد رغبات عابرة دون وجود خطة محددة أو نية واضحة لتنفيذها مثل:

  • تمني وقوع حادث مفاجئ مهما كان بسيطاً يؤدي إلى الوفاة
  • الرغبة في النوم وعدم الاستيقاظ مرة أخرى
  • أفكار حول توقف القلب بشكل مفاجئ
  • أي أمنية أخرى تهدف إلى إنهاء الحياة دون تخطيط مسبق

2- الأفكار الانتحارية النشطة

لا تقتصر الأفكار الانتحارية النشطة "Active suicidal ideation" على الرغبة في الموت للتخلص من الحياة بل تتطور إلى إعداد خطة واضحة ومدروسة بدقة تشمل ما يلي:

  • التخطيط المحكم حيث يفكر الشخص في كيفية تنفيذ الانتحار مثل تناول كميات كبيرة من الأدوية أو استخدام الأسلحة
  • الجدية إذ يدرس الشخص الخيارات المتاحة بعناية ويختار الطريقة الناجحة في تحقيق ذلك
  • العزم على التنفيذ حيث يخطط الشخص لتنفيذ الانتحار ويرتب موعداً محدداً لذلك

عوامل التفكير في الانتحار

تتضافر العديد من العوامل الداخلية والخارجية لتشكل بيئة مواتية لظهور الأفكار الانتحارية لدى الفرد من أبرزها ما يلي:

  • فقدان الأمل والشعور بالضآلة والوحدة أو العزلة الاجتماعية
  • التعرض لأحداث صادمة أو تغيرات جذرية في الحياة مثل فقدان أحد الأقرباء أو التعرض لأزمة مالية
  • الإصابة باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب واضطراب القلق واضطراب ثنائي القطب "Bipolar disorder" والفصام "Schizophrenia"
  • الأمراض المزمنة المستعصية على العلاج مثل السكري والأمراض العصبية أو الآلام المزمنة طويلة الأمد
  • التعرض مسبقاً للعنف الجسدي أو الجنسي
  • وجود محاولات سابقة للانتحار

أعراض الأفكار الانتحارية

يصعب تشخيص الأفكار الانتحارية في العديد من الحالات بسبب تحفظ الفرد على التعبير عنها خوفاً من تعرضه للسخرية أو اللامبالاة من الآخرين.

لكن يمكن رصد بعض الأعراض التي تدل على معاناة الشخص أو رغبته في الانتحار مثل:

  • التعبير المتكرر عن مشاعر الحزن واليأس وفقدان القيمة والشعور بالذنب دون مبرر واضح
  • الانسحاب الاجتماعي والرغبة في العزلة والابتعاد عن العلاقات
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها سابقاً
  • تكرار عبارات تدل على رغبة الشخص في الموت أو الغياب مثل "أتمنى ألا أكون هنا" أو "لا أستطيع الاستمرار" أو  "لا أستطيع تحمل هذا الوضع مدة أطول"
  • ملاحظة تغيرات في المزاج والسلوك مثل زيادة الانفعال والعصبية أو حدوث اضطرابات في النوم والأكل

كيفية التعامل مع الأفكار الانتحارية

تعتمد طريقة التعامل تجاه هذه الأفكار على مدى إلحاحها على الشخص الذي يحاول الانتحار. وتوجد مجموعة من الخطوات الأساسية ينبغي على الشخص القيام بها كمرحلة أولى تتضمن ما يلي:

1- محاولة تقييم الوضع الحالي بمنظور أكثر وضوحاً

ينبغي إدراك الشخص الذي لديه أفكار انتحارية بأنه على الرغم من مقدار الألم والإحساس بعدم الأهمية الذي يسيطر عليه إلا أنه شعور مؤقت.

لذلك يجب  توصيل هذه الفكرة للشخص الذي يحاول الانتحار ثم قطع وعد على نفسه بتجنب اتخاذ أي إجراء يوافق أفكاره حالياً ومنحه لنفسه مدة زمنية معينة تتراوح ما بين 24 ساعة وحتى أسابيع لتجاوز هذه المرحلة.

وتهدف هذه الخطوة إلى منح الفرصة للشخص ليستوعب الوضع الذي يعيشه والسماح للحلول بالظهور وعدم تنفيد أي تصرف يوافق أفكاره الانتحارية بشكل اندفاعي ومتهور.

2- تجنب تعاطي الكحول أو المخدرات

يميل بعض الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار إلى تعاطي الكحوليات والمواد المخدرة لمحاولة إسكات الأفكار السلبية المسيطرة عليهم أو التعامل معها.

لكن في الحقيقة تؤثر هذه المواد تأثيراً عكسياً حيث يفاقم شرب الكحول والمخدرات للمشاعر السلبية والأفكار الانتحارية بعد وقت من بدء التعاطي.

3- تخصيص بيئة مناسبة وآمنة

لا يمكن توقع اللحظة التي ستتطور فيها الأفكار الانتحارية إلى مرحلتي الرغبة والتنفيذ خاصة إذا بلغ الشخص الذي يحاول الانتحار مرحلة حادة من الضغط والتوتر والاكتئاب. حيث تتسارع الأفكار لديه ويكون في أضعف لحظاته نفسياً وأكثرها تأثراً.

لذلك من المهم تخصيص بيئة محيطة آمنة ومناسبة وتساعد على منع تراود الأفكار الانتحارية إلى جانب التخلص من آلات تساعد في إلحاق الأذى مثل:

  • السكين
  • حبوب الأدوية
  • الأسلحة النارية
  • شفرات الحلاقة
  • العصي الغليظة

4- الإفصاح عن الأفكار الانتحارية

تشكل مشاركة الأفكار الانتحارية والمشاعر السلبية مع المقربين عاملاً مساعداً في التخلص منها والحصول على الدعم من الأشخاص الموثوقين.

لذلك يعد ضرورياً وجود أحد المقربين يتمتع بالثقة الكاملة والأريحية لمشاركة هذه الأفكار مع الشخص الذي يحاول الانتحار. ومن الممكن أن يكون هذا الشخص أحد أفراد العائلة أو صديق أو معلم أو أخصائي العلاج النفسي.

كما يجب عدم التردد في طرح الأفكار وتجنب الشعور بالإحراج من البوح بهذه الأفكار الانتحارية للآخرين.

بل ينبغي معرفة مدى سوء الوضع عند الذين يحاولون الانتحار لأن ذلك يتيح للأصدقاء والمقربين المساعدة في إيجاد الحلول لهم أو توفير مساعدة طبية من أخصائي العلاج النفسي.

5- بث روح الأمل وزيادة المشاعر الإيجابية

يجب دعم الشخص الذي يعاني من سيطرة الأفكار الانتحارية عن طريق بث روح الأمل والمشاعر الإيجابية ورفع المعنويات ومحاولة تذكيره بقدرته على الخروج من هذه المرحلة بشكل أفضل ووجود المقربين منه بجانبه لمؤازرته في ظل ما يمر به.

كيفية السيطرة على الأفكار الانتحارية

توجد مجموعة من الاستراتيجيات والتقنيات التي يمكن من خلالها السيطرة على الأفكار الانتحارية تتضمن ما يلي:

  • التواصل مع الشخص المقرب والموثوق يومياً ويفضل الالتقاء وجهاً لوجه لتحفيز الخروج من الأماكن المغلقة
  • تجنب البقاء وحيداً قدر الإمكان منعاً للتفكير في الانتحار
  • عدم التردد في طلب المساعدة من الأشخاص المؤهلين مثل طلب مشورة نفسية من طبيب أو معالج نفسي أو حتى التوجه إلى المشفى
  • وضع خطة طوارئ في الحالات الحرجة خاصة وقت سيطرة مشاعر إنهاء الحياة تتمثل في الاتصال لطلب الدعم من الطبيب المعالج أو أحد المقربين للحصول على المساعدة بأسرع وقت
  • وضع روتين ومخطط للعمل كل يوم ومحاولة الالتزام بالمهام الموجودة فيه لتقليل فرص التفكير في المشاعر السلبية المؤدية إلى الانتحار. كما يعد إنجاز المهام اليومية باعثاً على الشعور بالرضا والسعادة
  • ممارسة التمارين الرياضية أو التنزه سيراً على الأقدام نصف ساعة يومياً حيث تسهم هذه العادات في تقليل المشاعر السلبية