نوبة الهلع: الأعراض والأسباب وكيفية التعامل معها

الكاتب - 2 نوفمبر 2023

تعتبر نوبة الهلع من الظواهر النفسية التي قد تكون مخيفة ومقلقة، فهي تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد الذين يعانون منها. وذلك لأنها تظهر فجأة وبلا سبب واضح، مما يجعل الشخص يشعر بالرعب والقلق الشديد. في هذا المقال، سنلقي نظرة عميقة على نوبة الهلع، ونتعرف الأعراض التي قد تصاحبها، ونفهم الأسباب وراء حدوثها، بالإضافة إلى تقديم استراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه الحالة بشكل فعال وبناء.

ما هي نوبة الهلع؟

نوبة الهلع وتعرف أيضا باسم نوبة الذعر "Panic Attack" هي نوع من الاستجابة للخوف، وتعتبر مبالغة في استجابة الجسم الطبيعية للخطر أو التوتر. وتتميز بعدم توقع حدوثها وشدتها المنهكة والمثبطة للحركة. فغالباً ما تحدث بشكل مفاجئ دون أي تحذير، كما قد تحدث في حال الاسترخاء أو حتى النوم. ولا تعني كل نوبة هلع أن الشخص مصاب باضطراب الهلع.

يشعر العديد من الأشخاص المصابين باضطراب الهلع بالقلق من احتمال تعرضهم لنوبة أخرى وقد يغيرون حياتهم بشكل كبير لتجنب التعرض لنوبات أخرى، بالمقابل يمكن أن تحدث النوبات بشكل متكرر عدة مرات في اليوم، عدة مرات في الأسبوع، أو مرة أو مرتين شهرياً، أو نادراً عدة مرات في السنة.

أعراض نوبة الهلع

تتطور علامات وأعراض نوبة الهلع بشكل مفاجئ وعادة ما تصل إلى ذروتها في غضون 10 دقائق، ونادراً ما تستمر أكثر من ساعة حيث ينتهي معظمها في غضون 20 إلى 30 دقيقة، كما يمكن أن تحدث نوبات الهلع في أي مكان وفي أي وقت.

وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية DSM-5 تتميز نوبة الهلع بأربعة أو أكثر من الأعراض التالية:

  • أعراض عقلية:
    • الشعور بعدم الواقعية (الاغتراب عن الواقع).
    • الشعور بالانفصال عن النفس (تبدد الشخصية).
    • الخوف من فقدان السيطرة أو الجنون.
    • الخوف من الموت.
  • أعراض جسدية:
    • تسارع ضربات القلب.
    • التعرق والقشعريرة والرجفان.
    • صعوبة التنفس مع الشعور بالدوار.
    • آلام في الصدر أو المعدة، مع الإحساس بالغثيان.
    • الوخز أو الخدر في اليدين.

وعادة ما يتلو النوبة القلق شديد بشأن موعد حدوث النوبة التالية، مع الخوف أو تجنب الأماكن التي حدثت فيها نوبات هلع في الماضي.

الخلط بين النوبة القلبية ونوبة الهلع

معظم أعراض نوبة الهلع جسدية، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأعراض شديدة لدرجة أنك قد تعتقد أنك تعاني من نوبة قلبية.

في الواقع، يقوم العديد من الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع بزيارات متكررة إلى وحدات الإسعاف في محاولة للحصول على علاج لما يعتقدون أنه مشكلة طبية تهدد الحياة، وفي حين أنه من المهم استبعاد الأسباب الطبية المحتملة للأعراض مثل ألم الصدر أو ارتفاع معدل ضربات القلب أو صعوبة التنفس، فغالباً ما يتم التغاضي عن الهلع كسبب محتمل، وليس العكس.

الأسباب

١- العمر والجنس

غالباً ما يبدأ اضطراب الهلع في أواخر سن المراهقة أو في بداية البلوغ حيث يعتبر أكثر شيوعاً بين المراهقين منه لدى الأطفال الأصغر سنًا.

وتعتبر النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة به، بالمقابل فقد تحدث نوبة الهلع مرة واحدة فقط، على الرغم من أن العديد من الأشخاص قد يعانون من نوبات متكررة أحياناً. 

٢- المواقف والأماكن

غالبًا ما تنجم أو ترتبط نوبات الهلع المتكررة بموقف معين، مثل عبور جسر أو التحدث في الأماكن العامة وغيرها. خاصةً إذا كان هذا الموقف قد تسبب في نوبة سابقاً. وعادةً ما يكون الموقف الذي يسبب الذعر هو الموقف الذي تشعر فيه بالخطر وعدم القدرة على الهروب مما يؤدي بالتالي إلى استجابة الجسد للقتال أو الهروب.

٣- أسباب وراثية

ينتشر اضطراب الهلع أحياناً في العائلات وله العديد من التفسيرات الجينية، لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين سبب إصابة بعض أفراد الأسرة به بينما لا يعاني الآخرون. بالإضافة إلى ذلك فقد وجد الباحثون أن عدة أجزاء من الدماغ وبعض العمليات البيولوجية قد تلعب دوراً مهماً في الخوف والقلق. (1)

قد تحدث نوبات الهلع بدون وجود أي عوارض أو أمراض صحية أو عقلية، وقد تحدث كجزء من اضطراب آخر، مثل اضطراب الهلع أو الرهاب الاجتماعي أو الاكتئاب.

٤- الخوف من التغيير والإجهاد

يعتقد بعض الباحثين أن نوبات الهلع تشبه "الإنذارات الكاذبة" حيث تكون غرائز البقاء النموذجية لأجسامنا نشطة في كثير من الأحيان وبقوة شديدة، على سبيل المثال، قد يشعر الشخص المصاب باضطراب الهلع بخفقان قلبه ويفترض أنه يعاني من نوبة قلبية، ويؤدي هذا إلى حلقة مفرغة من الخوف، وهي السمة المركزية لاضطراب الهلع.

يدرس الباحثون أيضا كيفية تفاعل الدماغ والجسم لدى الأشخاص المصابين باضطراب الهلع، بالإضافة إلى ذلك، يبحث الباحثون أكثر في الطرق التي يلعب بها الإجهاد والعوامل البيئية دوراً في هذا الاضطراب، كل ذلك في سبيل ابتكار علاجات أكثر تخصصاً.

كما أن هنالك علاقة مع التحولات الرئيسية في الحياة، والتي قد تسبب القلق والذعر للشخص، نذكر منها على سبيل المثال:

  • التخرج من الكلية
  • الدخول إلى مكان العمل
  • الزواج أو إنجاب طفل
  • وحالات الإجهاد الشديد مثل وفاة أحد الأحباء أو الطلاق أو فقدان الوظيفة

٥- أسباب فيزيولوجية

يمكن أن تحدث هذه النوبات بسبب حالات طبية وأسباب جسدية أخرى، مثل:

  • تدلي الصمام التاجي، مشكلة قلبية بسيطة تحدث عندما لا ينغلق أحد صمامات القلب بشكل صحيح.
  • فرط نشاط الغدة الدرقية.
  • نقص السكر في الدم.
  • استخدام المنشطات كالكافيين.
  • الإيقاف الفجائي لبعض الأدوية.

الفرق بين نوبة الذعر ونوبة القلق

قد تبدو نوبات القلق ونوبات الهلع متشابهة، إلا أنه هنالك العديد من الاختلافات التي تم توضيحها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية تساعد في تحديدها وتمييزها، ومنها على سبيل المثال:

  • نوبات الهلع هي موجة مفاجئة من الخوف الشديد أو الانزعاج المصحوب بأعراض جسدية وعقلية أخرى. وتصل إلى ذروتها في حوالي 10 دقائق بينما تستمر نوبات القلق لأشهر.
  • تختلف نوبات الهلع عن القلق في أنها مصحوبة بأعراض مثل:
    • الشعور بالانفصال عن العالم (الاغتراب عن الواقع)
    • الانفصال عن الذات (تبدد الشخصية)
    • الخوف من الموت أو فقدان السيطرة
  • يتميز القلق عن نوبة الهلع من بأنه يتضمن أعراضاً مثل الخوف، ولكن بدون الخوف الشديد أو الشعور بالانفصال الذي يحدث أثناء نوبة الهلع، أو أنها قد تحدث ولكن بدرجة أقل من مثيلاتها في نوبة الهلع.

السبل العلاجية

يتم علاج نوبات الهلع عموماً بالعلاج النفسي أو بالأدوية المضادة للقلق أو بكليهما، وذلك بعد نفي الأسباب العضوية أو النوبات الجسدية الحقيقية كالنوبات القلبية وغيرها.

١- العلاج النفسي
  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يعتبر هذا العلاج من أفضل أنواع العلاج النفسي لنوبات الذعر. يساعد المريض على فهم الأفكار والتصورات السلبية التي تؤدي إلى الهلع ويعلمه كيفية تغييرها.
  • العلاج بالتعريض: يتضمن تعريض المريض للمواقف التي تثير الذعر بشكل متكرر وتدريجياً للمساعدة في تخفيف القلق المرتبط بها.
  • العلاج النفسي الإيحائي: يمكن أن يساعد على استكشاف الجوانب العاطفية والنفسية التي تساهم في تحفيز النوبة.
٢- الأدوية

يعطى العلاج الدوائي تحت رقابة الطبيب وبجرعات مدروسة بعناية، مع الحرص على عدم تفويت الجرعات الدوائية أو تغييرها.

  • مضادات الاكتئاب مثل السيتالوبرام أو السيرترالين. ويمكن استخدامها للسيطرة على الأعراض وتقليل التوتر.
  • مهدئات مثل الألبرازول أو الكلونازيبام. ويمكن أن تساعد في تقليل القلق وتخفيف الأعراض خلال النوبات.
  • مضادات الذهان مثل الأنتيبسيكت والأدوية المثبطة للذهان مثل الأبيليفي، ويتم استخدام هذه الأدوية في في بعض الحالات الخاصة.
٣- علاجات أخرى
  • يمكن استخدام تقنيات الاسترخاء والتنفس للمساعدة في تهدئة الأعراض أثناء النوبة.
  • التغييرات في نمط الحياة والعادات الصحية وتشمل تجنب المنبهات مثل الكافيين والكحول، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على نمط نوم صحي.
  • الدعم الاجتماعي مهم جداً، فالحصول على الدعم من الأصدقاء والعائلة والمشاركة في جلسات دعم نفسي أو مجموعات دعم يمكن أن يكون مفيداً.
  • التعليم والتوعية عن نوبات الهلع وكيفية التعامل معها يمكن أن يقلل من القلق والرعب المصاحب لها.

نصائح للتعامل مع النوبات

بغض النظر عن مدى شعور الشخص بالعجز أو الخروج عن السيطرة خلال نوبات الهلع، فمن المهم أن يعرف أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن القيام بها لمساعدة نفسه ونذكر منها (2):

  • التعرف على نوبات الهلع: إن مجرد معرفة المزيد عن هذه الحالة يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً نحو التخفيف من الضيق. كما يساعد هذا على تعلم أن الأحاسيس والمشاعر التي تنتابه عندما طبيعية وسيتم تجاوزها.
  • تجنب التدخين والكحول والكافيين فهي تعتبر من مثيرات النوبات لدى الأشخاص المعرضين للإصابة. كما ينبغي الانتباه أيضا لأنواع الأدوية التي بتناولها في حال كانت تحتوي على منبهات، مثل حبوب التخسيس.
  • تعلم التحكم في التنفس: تسبب حالة فرط التنفس التي تحدث أثناء نوبة الهلع العديد من الأحاسيس مثل الدوار وضيق الصدر، من ناحية أخرى. يمكن للتنفس العميق أن يخفف من الأعراض المرافقة للنوبة ويساعد على تهدئة مشاعر القلق.
  • ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا. تعمل هذه التقنيات على تقوية استجابة الجسم للاسترخاء، على عكس الاستجابة للتوتر التي تنطوي عليها حالة القلق والذعر. ولا يقتصر دور ممارسات الاسترخاء هذه على تعزيز الاسترخاء، بل تزيد أيضا من الشعور بالبهجة والاتزان.
  • التواصل وجهاً لوجه مع العائلة والأصدقاء: يمكن أن تتفاقم أعراض القلق عند الشعور بالعزلة، لذا ينصح بالتواصل مع الأشخاص الذين يهتمون بك بشكل منتظم. وفي حال كان الشخص يشعر أنه ليس لديه أحد، فينصح باستكشاف طرقاً لمقابلة أشخاص جدد وبناء صداقات داعمة.
  • ممارسة الرياضة بانتظام: تعتبر الرياضة مسكّن طبيعي للقلق، لذا ينصح بالتحرك لمدة 30 دقيقة على الأقل في معظم الأيام. على سبيل المقال ثلاث جلسات مدة كل منها 10 دقائق تعتبر جيدة.
    • يمكن أن تكون التمارين الهوائية الإيقاعية التي تتطلب تحريك الذراعين والساقين، مثل المشي أو الجري أو السباحة أو الرقص، فعالة بشكل خاص أكثر من غيرها.
  • الحصول على قسط كافي من النوم المريح: يمكن أن يؤدي النوم غير الكافي إلى تفاقم النوبات.

كيف تساعد شخص يعاني من نوبة هلع؟

قد تكون رؤية صديق أو أحد أفراد أسرتك يعاني من نوبة هلع أمراً مخيفاً. من المهم أن تتذكر أن الخطر يبدو حقيقياً جداً لمن تحب، ولن يساعدك مجرد إخبارهم بأن يهدؤوا في تقليل مخاوفهم، وبدلاً من ذلك: 

  • ابق هادئاً على نفسك: إن الهدوء والتفهم وعدم إصدار الأحكام سيساعد على تهدئة هلع من تحب بشكل أسرع.
  • ركز على تنفسه: ابحث عن مكان هادئ يجلس فيه صديقك ثم أرشده لأخذ أنفاس عميقة وبطيئة لبضع دقائق.
  • افعل شيئاً مادياً: رفع وخفض الذراعين معاً أو رفع القدمين يمكن أن يساعد في التخلص من بعض التوتر الذي يعاني منه أحبائك.
  • أبعد صديقك عن عقله عن طريق مطالبته بتسمية خمسة أشياء من حوله أو التحدث بهدوء عن مصلحة مشتركة.
  • شجع من تحب على طلب المساعدة. بمجرد انتهاء نوبة الهلع، قد يشعر الشخص العزيز عليك بالحرج من التعرض لنوبة أمامك، طمأنهم وشجعهم على طلب المساعدة لقلقهم.