فرفرية نقص الصفيحات الخثرية: الأسباب والعلاج

الكاتب - أخر تحديث 5 سبتمبر 2023

تشكل الصفيحات الدموية عنصراً اساسياً من عناصر الدم، وظيفتها الأساسية هي منع النزف وايقافه في حال حدوث أذية في جدران الأوعية الدموية من خلال تشكيلها لخثره دموية توقف النزف. ولكن كغيرها من عناصر الدم تكون خلايا الصفيحات الدموية عرضة للعديد من الاضطرابات والمشاكل التي تسبب خللاً في عملها وعددها. وتعد فرفرية نقص الصفيحات الخثرية من هذه الاضطرابات التي تؤثر على عمل الصفيحات الدموية، فما سبب حدوث هذه الفرفرية وكيف يمكن علاجها؟

تعريف فرفرية نقص الصفيحات الخثرية

فرفرية نقص الصفيحات الخثرية "Thrombotic Thrombocytopenic Purpura" أو اختصاراً "TTP" هي اضطراب نادر الحدوث يسبب تشكل الخثرات أو جلطات دموية في الأوعية الدموية الصغيرة المنتشرة في كل انحاء الجسم. وتؤدي هذه الخثرات والجلطات لتضيق وانسداد الأوعية الدموية في الأوعية المصابة بالتالي حدوث نقص تروية دموية عن الخلايا والأعضاء في المناطق المصابة.

تتشكل الخثرات الدموية في الحالة الطبيعية كاستجابة لحدوث إصابة وأذية في جدران الاوعية الدموية. حيث تتجه عندها الصفيحات الدموية وعناصر التخثر في الدم لمنطقة الأذية وتغلقها وتمنع النزف من خلال تشكيل الخثرة الدموية في هذه المنطقة.

في حالة فرفرية نقص الصفيحات الخثرية تتفعل الصفيحات الدموية وتحدث عملية تشكيل الخثرات بدون وجود أذية حقيقية في الأوعية الدموية والأنسجة. هذا التفعيل للصفيحات والتحريض لعملية التخثر يؤدي للاستهلاك كميات كبيرة من الصفيحات الدموية وتشكيل خثرات منتشرة في أوعية الجسم المختلفة. بالتالي يحدث نقص في عدد خلايا الصفيحات الدموية في الدم.

وهذا النقص يؤدي بالمقابل لحدوث نزوف عفوية لا إرادية تحت سطح الجلد ذات لون أحمر بنفسجي تعرف باسم الفرفرية . ومن هنا تم تسمية الحالة بفرفرية نقص الصفيحات الخثرية.

أسباب فرفرية نقص الصفيحات الخثرية

يتم إنتاج إنزيم ADAMTS13 عبر مورثة تحمل نفس الاسم وهذا الانزيم هو المسؤول عن تنظيم عملية التخثر وتفعيل الصفيحات الدموية. حيث ينشط هذا الانزيم العامل الأول المسؤول عن تخثر الدم والمعروف باسم عامل فون ويل براند "Von Willebrand factor".

وبدون وجود كميات كافية من إنزيم ADAMTS13 أو في حالة عدم قدرته على أداء وظيفته، تزداد احتمالية حدوث تكتلات صغيرة من الصفيحات في الدم، مما يؤدي في النهاية إلى تكون الجلطات.

ووفقاً للإحصائيات فإن معدل حدوث فرفرية نقص الصفيحات الخثرية هي 3.7 حالة في كل مليون شخص. ويعد الشكل المكتسب من هذه الفرفرية هو المسيطر والأكثر شيوعاً.

وهنالك عاملين رئيسين لحدوث اضطرابات على مستوى الأنزيم ADAMTS13 وهما:

١- العوامل الوراثية "Inherited"

يمكن أن تحدث طفرة لسبب ما على مستوى المورثة المسؤولة عن انتاج الانزيم ADAMTS13 وأن تنتقل هذه الطفرة الوراثية عبر الأجيال في العائلة الواحدة. هذه الطفرة إما أن تؤدي لإنتاج كيات قليلة من الأنزيم أو تنتج شكل غير فعال منه. بالتالي يسبب انتقال هذه الطفرة الوراثية بين افراد العائلة لاستمرار الإصابة بفرفرية نقص الصفيحات الخثرية في هذه العائلة.

لكن الأمر الجيد في هذه الطفرة أنها طفرة متنحية، ويعني ذلك أن المصاب عليه أن يحصل على الطفرة الجينية والجين ADAMTS13 الشاذ من الأب والأم معاً حتى تظهر الإصابة والمرض. أما إذا كان يحمل مورثة طبيعية وأخرى شاذة فلا يظهر لديه المرض.

٢- العوامل المكتسبة "Acquired"

تحدث فرفرية نقص الصفيحات الخثرية في كثير من الحالات عند أشخاص طبيعيين ليس لديهم الطفرة الوراثية على مستوى المورثة ADAMTS13، ولكن تتطور لديهم الأعراض نتيجة مسبب خارجي كحالة مرضية أخرى حرضت تطور هذه الحالة لديهم وذلك لأنها أثرت على عمل الأنزيم.

حيث في النوع المكتسب من الفرفرية ينتج الجسم مواد بروتينية تعرف بالأضداد "Antibodies" وذلك بتحريض من مرض آخر وحالة أخرى في الجسم. حيث تتدخل هذه الأضداد في عمل الأنزيم ADAMTS13 وتوقف عمله ووظيفته في التحكم بتخثر الدم.

هنالك مجموعة من العوامل التي ترفع من احتمال تطور فرفرية نقص الصفيحات الخثرية المكتسبة:

  • العمر: يكون البالغين أكثر عرضة للإصابة بالنوع المكتسب، في حين أن الأطفال وحديثي الولادة يصابون بالنمط الوراثي من الفرفرية.
  • أمراض وحالات طبية: إن حدوث إصابات وحالات مرضية معينة عند الأشخاص يمكن أن يحرض لديهم فرفرية نقص الصفيحات الخثرية المكتسبة. كالإصابة بأحد أشكال السرطان، وأمراض المناعة الذاتية، والعدوى الجرثومية أو الفيروسية وغيرها من الحالات المرضية.
  • الإناث أكثر عرضة من الذكور لحدوث فرفرية نقص الصفيحات الخثرية المكتسبة لديهم.
  • تناول بعض أنواع الأدوية: كأدوية العلاج الكيمائي للسرطان، والأدوية الهرمونية، وبعض المميعات الدموية كالكلوبيدوغريل "Clopidogrel" وغيرها.

الأعراض المرافقة لحالة فرفرية نقص الصفيحات الخثرية

تعد الخثرات المتشكلة نتيجة تفعيل عملية التخثر ضمن الأوعية الدموية، إضافة لاستهلاك عدد كبير من الصفيحات الدموية وانخفاض كميتها. والآليات الرئيسية المسببة لظهور الأعراض المرتبطة حدوث هذه الحالات والتي تتضمن ما يلي:

  • ظهور الفرفرية "Purpura" وهي عبارة عن كدمة بنفسجية اللون تظهر على سطح الجلد والأغشية المخاطية. تكون ذات أحجام وأقطار مختلفة، وتنجم عن حدوث نزوف في الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة في الجلد والأغشية المخاطية. حيث يتجمع الدم تحت الجلد مسبباً ظهور هذه الكدمات.
  • ظهور للنمش "Petechiae" والمرافق لفرفرية نقص الصفيحات الخثرية يكون عبارة عن نقاط صغيرة حمراء أو بنفسجية اللون تظهر على سطح الجلد،. وغالباً ما تتوزع على شكل مجموعات متفرقة من النمش، ويمكن أن تبدو كالطفح الجلدي.
  • التعب والوهن العام
  • الحمى وارتفاع درجة الحرارة
  • الشحوب واللون اليرقاني ويحدث ذلك نتيجة لفقر الدم المرافق للفرفرية والناجم عن النزف المستمر والعفوي للدم. بالإضافة لاستهلاك الصفيحات وتخرب كريات الدم الحمراء.
  • تسرع ضربات القلب
  • ضيق التنفس والزلة التنفسية
  • حدوث أعراض عصبية متفرقة وتكون بفعل الجلطات التي قد تصيب أوعية الدماغ. فيمكن أن يحدث صداع أو تخليط ذهني أو جلطات دماغية، بالإضافة لمشاكل في النطق، وقد تسبب أيضا الدخول في غيبوبة "Coma".
  • الإصابة بالجلطة القلبية

التشخيص

يعتمد تشخيص الإصابة بفرفرية نقص الصفيحات الخثرية على مجموعة من الفحوص المخبرية التي تجرى على عينات من دم المريض بشكل رئيسي. حيث يبدأ الطبيب باجراء فحص سريري للمريض واستعراض أعراضه وتاريخه المرضي ومن ثم يقوم بطلب الفحوص الدموية التالية:

١- اختبار تعداد الدم الكامل "Complete Blood Count"

يتم في اختبار تعداد الدم الكامل تحليل عينة من الدم لمعرفة عدد ونسبة كل عنصر من عناصر الدم ومكوناته حيث يظهر عدد ونسبة الكريات الحمراء وكل نوع من أنواع الكريات البيضاء، وتعداد الصفيات الدموية أيضا.

وفي حالة فرفرية نقص الصفيحات الخثرية سوف تكون أعداد خلايا الصفيحات الدموية منخفضة عن المعدل الطبيعي. ويمكن ملاحظة انخفاض في عدد الكريات الحمراء والخضاب في المراحل اللاحقة.

٢- تقييم مستويات الأنزيم ADAMTS13

يعتبر الخلل في عمل الأنزيم ADAMTS13 المسبب الرئيسي لتطور فرفرية نقص الصفيحات الخثرية بنوعيها. ولذلك يمكن من خلال فحص دموي خاص معايرة مستويات هذا الأنزيم وتقييم نشاطه وذلك لتأكيد تشخيص حالة الفرفرية الخثرية.

٣- معايرة مستوى البيلروبين في الدم "Bilirubin test"

البيلروبين هو عبارة عن بروتين ناتج عن تخرب كرية الدم الحمراء وتفكك الخضاب ضمنها، وهو ينتج بشكل طبيعي عن عملية الموت والاستهلاك المتكرر لخلايا الدم الحمراء.

لكن في حالة فرفرية نقص الصفيحات الخثرية ونتيجة لحدوث النزوف العفوية تحت الجلد بالإضافة لتشكل الخثرات المتكررة، يمكن أن يحدث تخرب متزايد عن الحد الطبيعي لكريات الدم الحمراء، بالتالي تكون النتيجة ارتفاع مستويات البيلروبين في الدم.

٤- اللطخة الدموية "Blood smear"

يتم وضع نقطة دموية على لوح زجاجي صغير الحجم ومن ثم يتم فحص ودراسة هذه النقطة عبر المجهر في المخبر. ومن خلال هذا الفحص يتم تقييم عدد وشكل عناصر الدم، وملاحظة شكل الكريات الحمراء فيما إذا كانت متخربة أم لا، بالإضافة لنسبة الصفيحات في هذه النقطة الدموية.

٥- اختبار كومبس "Coombs test"

يتم اجراء اختبار كومبس لمعرفة أسباب انحلال الدم وإن كانت حالة فرفرية نقص الصفيحات خي التي تسببت بفقر الدم الانحلالي أو هنالك سبب آخر.

عندما تكون نتيجة الاختبار سلبية هذا يعني أن فقر وانحلال الدم ناجم عن فرفرية نقص الصفيحات والتخثر، أما عندما تكون نتيجة الاختبار إيجابية يكون انحلال الكريات الحمراء ناجم عن سبب آخر على سبيل المثال أحد أمراض المناعة.

٦- معايرة وظائف الكلية

يمكن أن تتأثر صحة الكلية وقدرتها على تأدية وظيفتها نتيجة التخرب المستمر للكريات الحمراء بفعل الفرفرية أو حتى نتيجة تشكل خثرات دقيقة في الأوعية الدموية الصغيرة للكلية، بالتالي يتم معايرة وظيفة الكلية في تصفية الدم من خلال معايرة مادة تدعى الكرياتينين "Creatinine" في الدم. حيث أن ارتفاع مستوى الكرياتينين في الدم يمكن أن يشير إلى تضرر وظيفة الكلى ويعد مؤشراً هاماً لمراقبة صحة الكلى.

السبل العلاجية

تحتاج حالة فرفرية نقص الصفيحات الخثرية لعلاج سريع تجنباً للمضاعفات التي قد تكون مهددة للحياة خاصةً في حال انسداد الأوعية الدموية المغذية لأحد الأعضاء الهامة كالقلب أو الدماغ. ويعتمد العلاج على خطة مشتركة بين العلاج بالبلازما والعلاج الدوائي حتى استقرار الحالة وفي بعض الأحيان يمكن اللجوء لإجراء عمل جراحي للمساعدة على علاج الحالة وعدم تكرارها.

١- العلاج بالبلازما "Plasma treatments"

يقسم العلاج بالبلازما لنوعين أساسيين وذلك بحسب نوع فرفرية نقص الصفيحات الخثرية الموجودة في حال كانت وراثية أو مكتسبة، وهذين النوعين هما:

أ- تصفية البلازما أو فصادة البلازما "Plasmapheresis"

يستخدم هذا الخيار لعلاج فرفرية نقص الصفيحات الخثرية المكتسبة حيث يتم وضع المريض على جهاز فصد أو تصفية البلازما. حيث يسحب الجهاز الدم من المريض ومن ثم يعمل على تنقيته واستخراج الأجسام المضادة "antibodies" التي تسبب خلل واضطراب في عمل الأنزيم ADAMTS13 وتتخلص منها. كما يعمل الجهاز على تبديل البلازما الحاوية على الصفيحات الخاصة بالمريض ببلازما غنية بصفيحات طبيعية من شخص متبرع طبيعي، وبهذا يتم استعادة عمل الأنزيم ADAMTS13 من جهة وتعويض النقص الحاصل بالصفيحات من جهة أخرى.

ويتم الاستمرار وتكرار هذه العملية حتى تراجع الأعراض وعودة عدد الصفيحات وعناصر الدم للاستقرار.

ب- نقل البلازما "Plasma infusion"

يتم في حالات فرفرية نقص الصفيحات الخثرية ذات المنشأ الوراثي، وتعتمد على نقل البلازما الغنية بالصفيحات (PRP) بشكل مباشر من متبرع طبيعي للشخص المصاب بشكل مباشر عبر حقنها بالوريد عند المريض.

وبهذا يتم تعويض مستويات الأنزيم ADAMTS13 الناقصة من جهة، وتعويض الصفيحات الدموية المنخفضة من جهة أخرى.

١- العلاج الدوائي

هناك عدد من الأدوية التي يتم استخدامها في حالات فرفرية نقص الصفيحات الخثرية والتي تساهم في علاج وتخفيف الحالة وأهم هذه الأدوية:

  • الستيروئيدات القشرية "Corticosteroids" وتعد من الأدوية الأكثر استعمالاً لعلاج حالة الفرفرية الخثرية نظراً لتأثيرها في كبح مناعة الجسم والتخفيف من عملية تشكيل الأجسام المضادة التي تهاجم وتخرب الأنزيم ADAMTS13.
  • دواء "Rituximab" المثبط للمناعة ورد الفعل المناعي للجسم.
  • دواء سيكلوفوسفاميد "Cyclophosphamide": يستخدم عادة في علاجات الأورام لكن له تأثير مثبط لمناعة الجسم أيضا ويفيد في حالات فرفرية نقص الصفيحات الخثرية.

٣- العلاج الجراحي

عندما لا تستجيب حالة فرفرية نقص الصفيحات الخثرية للعلاجات السابقة يتم اللجوء للعلاج الجراحي، وذلك من خلال استئصال الطحال.

والطحال هو العضو الموجود في القسم العلوي الأيسر من البطن، والذي يعد مركز صنع الأجسام المضادة للأنزيم ADAMTS13 والتي تمنعه من العمل بشكل طبيعي في فرفرية نقص الصفيحات الخثرية المكتسبة، بالتالي فإن استئصال الطحال يمنع تشكل هذه الأجسام ويعالج الحالة.