التهاب الأوعية الدموية: الأسباب والعلاج

الكاتب - 13 أغسطس 2023

تعتبر الأوعية الدموية الوسيلة والآلية الوحيدة التي يتم من خلالها إيصال الدم لأعضاء وخلايا الجسم، حيث تقوم الشرايين بنقل الدم المحمل بالأوكسجين وإيصاله لكل خليه من خلايا الجسم، لتقوم بعدها الأوردة بإعادة هذا الدم للقلب، بالتالي فإن أي خلل أو اضطراب يصيب هذه الأوعية الدموية سيؤدي لاضطراب في عمل ومهمة هذه الأوعية. ويعد التهاب الأوعية الدموية واحد من هذه الاضطرابات، فما هي هذه الحالة ولماذا تحدث وكيف نتعامل معها؟

ما هي حالة التهاب الأوعية الدموية؟

تعرف حالة التهاب الأوعية "Vasculitis" بأنها تفاعل وارتكاس التهابي يصيب جدران الأوعية الدموية على وجه التحديد، ويؤدي لحدوث تبدلات وتغيرات في الخلايا الموجودة في جدران هذه الأوعية، حيث تصاب بالوذمة، والتورم، والتخرب أحياناً، وهذا الأمر يؤدي إلى تأثر وظيفة الوعاء الدموي المصاب ودوره في نقل الدم.

يمكن لأي نوع من الأوعية الدموية أن يتعرض للالتهاب كما أن هذه الحالة تعتبر واردة الحدوث في أي عمر إلا أنها بشكل عام قليلة الشيوع حيث وفقاً للإحصاءات فإن معدل حدوث التهاب الأوعية يكون وسطياً 1-9 حالات في كل 100000 نسمة.

يكون الوعاء الدموي في الحالة الطبيعية ذو قطر معين وجريان الدم فيه يتم بشكل سهل وبدون مقاومة. لكن في حالة الاتهاب يصاب جدار الوعاء الدموي والخلايا في بطانة الوعاء من الداخل بالضرر والاضطراب. وهذا يؤثر على جريان الدم بعدة أشكال.

حيث يمكن أن يتضيق الوعاء نتيجة الالتهاب بالتالي يتم إعاقة مرور وجريان الدم عبره وقد يحدث نقص تروية للأعضاء التي يقوم الوعاء بترويتها، كما قد يسبب الالتهاب وضرر الخلايا زيادة احتمال تشكل الخثرات والجلطات ضمن الأوعية وغيرها من التأثيرات السلبية لالتهاب الأوعية.

أسباب التهاب الأوعية الدموية

لم يتم فهم الآلية المرضية بشكل كامل والمسبب لهذه الحالة حتى الآن، لكن في المقابل وضعت عدة فرضيات ونظريات لتفسير السبب وراء حدوث الاتهاب، وكانت الآلية والعامل المشترك الأهم هو تورط الجهاز المناعي للجسم في حدوث التهاب الأوعية الدموية.

يمكن أن يصاب جهاز المناعة بالخلل والاضطراب في عمله وعمل خلاياه لأسباب عديدة، ويؤثر هذا الخلل سلباً وبشكل عكسي على وظيفته، وتكون النتيجة هو قيام جهاز المناعة بمهاجمة الخلايا السليمة في الجسم عن طريق الخطأ ظناً منه أنها خلايا غريبة ومضرة، وهذه الحالة من اضطراب الجهاز المناعي تدعى بأمراض المناعة الذاتية "Autoimmune diseases".

بالتالي فعندما تهاجم الخلايا المناعية في الجسم جدران الأوعية الدموية وخلاياها عن طريق الخطأ تحدث هذه الحالة وتتضرر بطانة الأوعية وتصبح ضعيفة وتتأثر وظيفتها.

ومن أشهر أمراض المناعة الذاتية التي قد تترافق مع التهاب الأوعية نذكر التهاب المفاصل الرثياني "Rheumatoid arthritis" والذئبة "Lupus" وغيرها.

بالإضافة لأمراض المناعة الذاتية يمكن للعوامل التالية أن تساهم في حدوث التهاب الأوعية:

  • حالات الحساسية والتحسس من بعض المواد
  • تناول بعض أنواع الأدوية
  • التعرض للسموم الكيميائية
  • مضاعفات واختلاطات تالية لعدوى فيروسية

أنواع التهاب الأوعية الدموية

التهاب الأوعية الدموية يعد مصطلح عام يشمل عدد كبير من الحالات والأمراض الالتهابية التي تصيب الأوعية الدموية، ولسهولة فهم وتصنيف أنواع هذه الحالة، فقد تم تقسيمها من قبل الأطباء إلى عدة أنواع وذلك اعتماداً على حجم وقطر الأوعية الدموية المصابة بالالتهاب وهي على الشكل التالي:

١- التهاب الأوعية الدموية الكبيرة

يتضمن هذا النوع الأمراض والاتهابات التي تصيب الأوعية الدموية والشرايين ذات القطر الكبير، أي الشرايين الرئيسية قبل تفرعها. وأهم هذه الأمراض هي التهاب شرايين تاكاياسو "Takayasu’s arteritis" الذي يصيب الشريان الأبهر وفروعه الرئيسية، وأيضا التهاب الشرايين الصدغية "Temporal arteritis" الذي يصيب الشرايين المسؤولة عن تروية منطقة الرأس والدماغ.

٢- التهاب الأوعية الدموية المتوسطة الحجم والقطر

تصيب التهابات الأوعية التي تنتمي لهذا التصنيف الأوعية متوسطة القطر ويشمل الأمراض التالية بشكل أساسي:

  • داء بيرغر "Buerger’s disease": يصيب الشرايين والأوعية في الطرفين العلويين والسفليين ويسبب تضيق وانسداد فيهما.
  • مرض كواساكي "Kawasaki disease": يصيب الأطفال بشكل أساسي ويتضمن التهاب اوعية الجلد والأطراف وأيضا أوعية القلب خاصةً الشرايين الإكليلية.
  • التهاب الشرايين العقدي المتعدد "Polyarteritis nodosa": يصيب هذا النوع الأوعية الدموية المتوسطة في مختلف الأعضاء في الجسم وبوقت واحد لذلك سمي بالمتعدد.
٣- التهاب الأوعية الدموية الصغيرة

يتضمن هذا النمط التهابات الأوعية الدموية التي تصيب الأوعية صغيرة القطر والأوعية الدقيقة التي تدعى بالشعيرات الدموية. وهي التي تشكل التفرعات النهائية للشرايين والأوردة، ويتضمن الأمراض التالية:

  • متلازمة باجيت "Bechet’s syndrome"
  • متلازمة شراغ – شتراوس "Churg-Strauss syndrome"
  • فرفرية هينوخ -شونلاين "Henoch-schonlein purpura"
  • التهاب الأوعية الدموية الجلدي "Cutaneous vasculitis"

الأعراض

تقسم الأعراض المرافقة لحالات التهاب الأوعية الدموية إلى نوعين.

  • النوع الأول هو الأعراض الجسدية العامة التي تكون مشتركة بين معظم حالات التهاب الأوعية
  • والنوع الأخر من الأعراض يتعلق بالعضو المصاب. حيث يتأثر كل عضو بشكل مختلف ويعطي أعراض مختلفة تتعلق بنقص التروية الدموية الحاصل في هذا العضو واضطراب جريان الدم ضمنه.

وتتضمن الأعراض العامة الرئيسية:

  • الصداع
  • الوهن العام والتعب
  • الحمى وارتفاع درجة الحرارة
  • آلام جسدية عامة
  • خسارة الوزن في بعض الحالات

أما الأعراض المتعلقة بإصابة الأعضاء المختلفة فيمكن تلخيصها بشكل عام بما يلي:

  • الجهاز الهضمي:
    • في حال تأثر المعدة بالتهاب الأوعية الدموية يحدث ألم بطني بعد الطعام، ويمكن أن تحدث قرحات في المعدة، وفي حال تأثر الأمعاء أيضا قد تصاب بالتقرحات ويحدث نزيف هضمي سفلي.
  • الأذن: يحدث إحساس بالطنين في الأذن، الدوارـ، وقد يصل الأمر لضعف السمع وفقدانه.
  • العينين: تتأثر العينين بالتهاب الأوعية فيحدث فيهما تورم، واحمرار، بالإضافة أيضا إلى ألم مع إحساس بالحرقة، ويمكن أن يسبب التهاب الأوعية في العين ضعف في النظر وحتى فقدانه.
  • اليدين والقدمين: قد تصاب اليدين أو القدمين بالخدر والتنميل والضعف بسبب نقص التروية الدموية عنها، كما قد يحدث تورم واحمرار وحتى شحوب في جلد اليدين والقدمين.
  • الرئتين: يسبب التهاب الأوعية في الرئتين مشكلة في التروية الدموية للرئتين وفي القدرة على إتمام عملية تزويد الدم بالأوكسجين، فقد يسبب عند حدوثه زلة تنفسية وضيق تنفس إضافة أيضا لتحريض السعال المترافق مع الدم أحياناً.
  • الجلد: يتظاهر التهاب الأوعية الدموية في الجلد بحدوث نزف عفوي تحت الجلد أحياناً وظهور لنقاط حمراء على الجلد، كما قد يسبب ظهور كدمات وبقع جلدية مؤلمة ومتورمة بالإضافة إلى تقرحات على الجلد أحياناً.

الوسائل التشخيصية

لا تكون عملية تشخيص الإصابة بالتهاب الأوعية الدموية عملية سهلة دائماً، وذلك بسبب قلة عدد حالات الإصابة أولاً وتشابه الأعراض العامة مع عدد من الأمراض الأخرى، ولذلك نحتاج لتشخيص هذه الحالة لمجموعة من الإجراءات والخطوات التي تتكامل مع بعضها لوضع التشخيص.

وتتضمن الإجراءات التشخيصية الشائعة لالتهاب الأوعية الدموية ما يلي:

١- القصة المرضية والفحص السريري

وذلك لتحديد سير المرض وتطوره، إضافة إلى نوعية الأعراض، ومدتها، وشدتها بالإضافة إلى الأعضاء المتأثرة بهذه الأعراض. ومن المهم أيضا معرفة التاريخ المرضي في حال وجود إصابة بأمراض مزمنة أو أمراض التهابية مناعية أخرى.

٢- التحاليل المخبرية للدم

تفيد التحاليل المخبرية للدم في تحديد الوضع العام للجسم وأجهزته، ولتمييز وتحديد وجود الحالة الالتهابية في الجسم ونوعها هل هي حالة انتان جرثومي مثلاً أو حالة ارتكاس مناعي التهابي. وذلك من خلال معايرة نسب الكريات البيضاء والخلايا المناعية والأجسام المضادة التي تنتجها الخلايا المناعية في الجسم.

٣- الخزعات النسيجية "Biopsies"

تتضمن الحصول على عينات نسيجية من المناطق المصابة أو الأعضاء التي تحدث فيها التغيرات والتبدلات الالتهابية كالجلد، والسبيل الهضمي أو التنفسي وغيرها. ومن ثم يتم ارسال هذه العينات للدراسة النسيجية في المختبر حيث يتم فحص الخلايا والأنسجة وتحديد التبدلات والاصابات الحاصلة في خلايا الأوعية الدموية والتي تتماشى مع وجود التهاب الأوعية الدموية.

٤- فحوص متممة أخرى

تتعلق هذه الفحوصات بمكان وطبيعة المنطقة المصابة بالتهاب الأوعية الدموية وتتضمن بشكل أساسي إجراءات التصوير الشعاعي التي تشمل:

  • صورة الصدر الشعاعية البسيطة "chest X-ray"
  • التصوير الطبقي المحوري "CT-scan"
  • التصوير الظليل للشرايين الاكليلية أو ما يعرف بقسطرة القلب "Coronary angiography"
  • التصوير بالأمواج فوق الصوتية "Ultrasound"

علاج التهاب الأوعية الدموية

يكون الهدف من علاج التهاب الأوعية الدموية هو السيطرة على الحالة الالتهابية الحاصلة في جدران الأوعية وايقافها. وهذا الأمر يؤدي لتحسن وتراجع الأعراض، ومن ثم محاولة ضبط العامل المحرض لالتهاب الأوعية والتحكم بالاستجابة المناعية للجسم وادخالها في مرحلة الهدوء والهجوع لمنع عودة الأعراض والضرر الناجم عن التهاب الأوعية الدموية.

يكون العلاج الدوائي هو الخط الأول والرئيسي لعلاج حالات التهاب الأوعية الدموية والسيطرة عليها، وتتضمن الأدوية التي تستخدم لعلاج التهاب الأوعية الزمر الدوائية التالية:

١- الستيروئيدات القشرية "Corticosteroid"

الزمرة الدوائية الأشيع استخداماً، حيث تعمل على تخفيف الاستجابة الالتهابية وتقليل الالتهاب في جدران الأوعية الدموية.

٢- الأدوية المعدلة للاستجابة المناعية "Immunomodulators"

تعمل هذه الأدوية على ضبط ارتكاس جهاز المناعة المسبب لالتهاب الأوعية والتخفيف من حدته. ومن هذه الأدوية هو دواء الكولشيسين "Colchicine".

٣- الأدوية المثبطة للاستجابة المناعية "immunosuppressive"

تكبح هذه الأدوية جهاز المناعة في الجسم وتقلل من تكاثر وارتكاس خلاياه التي تهاجم الأوعية الدموية، وهذا الأمر يخفف من الالتهاب. ومن هذه الأدوية نذكر دواء السيكلوسبورين "Cyclosporine".

٤- مضادات الانترلوكين "Interleukin antagonists"

الانترلوكين هو مادة بروتينية تنتج في الجسم كاستجابة للالتهاب وتحرض زيادة الاستجابة الالتهابية أيضا. كما يمكن من خلال هذه الأدوية المضادة للانترلوكين إيقاف انتاج هذه المادة وتخفيف الالتهاب الحاصل في الجسم والأوعية الدموية.

٥- الغلوبولين المناعي الوريدي "Intravenous immunoglobulin"

يحوي هذا النوع من الأدوية أجسام مضادة "Antibodies" مأخوذة من دم متبرع صحي وسليم مناعياً. ويتم إعطاؤها عن طريق الوريد للشخص المصاب والذي يعاني من التهاب الأوعية الدموية المناعي الذاتي.

تعمل هذه الاجسام المضادة على ضبط جهاز المناعة عند المصاب ومساعدة جهاز المناعة لديه على تعديل الاستجابة المناعية والالتهابية وبالتالي إيقاف التهاب الأوعية الدموية وضبط أعراضه.

الأطفال والتهاب الأوعية الدموية

يصيب التهاب الأوعية الدموية أي عمر ويكون الأطفال عرضةً للإصابة ببعض أنواع التهابات الأوعية بشكل أكبر من البالغين، وتضم أنواع التهابات الأوعية الأكثر شيوعاً بين الأطفال ما يلي:

١- فرفرية هينوخ – شونلاين "Henoch-schonlein purpura"

التهاب وعائي مجهول السبب يصيب كل الأعمار وبشكل رئيسي الأطفال بين عمر 5-15 سنة، ويعرف بالتهاب الأوعية الدموية المرتبط بالغلوبولين المناعي A، حيث يرتبط حدوثه بارتفاع مستويات هذا الغلوبولين المناعي في الجسم، ويكون مترسباً أيضا على الخلايا المصابة عند فحص الخزع النسيجية.

وغالباً ما يحدث بشكل تال لإصابات فيروسية كالإنتانات التنفسية الفيروسية والتهاب الكبدي وغيرها، ويتظاهر بالأعراض التالية:

  • طفح جلدي (فرفرية) بشكل بقع حمراء وأرجوانية منتشرة في القدمين، الذراعين، والوجه.
  • آلام في المفاصل مع تورم فيها أحياناً وخاصة مفصلي الركبة والكاحل.
  • أعراض عامة تشمل الوهن والتعب، ارتفاع درجة الحرارة، غثيان، واقياء.

تتراجع هذه الحالة بشكل عفوي خلال شهر من الإصابة دون أن تترك أي آثار أو مضاعفات في أغلب الحالات، ولكن يمكن تقديم العلاج الدوائي لتحسين الأعراض وتجنب المضاعفات.

٢- داء كوازاكي "Kawasaki disease"

التهاب أوعية دموية مجهول السبب يسبب التهاب معمم في أوعية الجسم عند الأطفال، حيث يصيب أوعية الجلد، الكلية، والاصابة الأهم هي تأثر وأصابه أوعية القلب وبشكل خاص الشرايين الاكليلية المغذية للقلب.

يصيب أي عمر ولكن تكون ذروة الإصابة به بين عمر 1-8 سنوات، ويكون العرض الأساسي لداء كوازاكي هو حدوث حمى وارتفاع درجة الحرارة أكثر من 39 درجة مئوية لمدة خمسة أيام على الأقل دون وجود سبب واضح لارتفاع الحرارة، إضافة للأعراض والعلامات التالية:

  • طفح جلدي معمم في الجسم
  • احمرار شديد في العينين مع تورم فيهما
  • حدوث تشقق في الشفاه وتقشر واحمرار
  • ضخامة لسان ووذمة فيه
  • تورم العقد اللمفاوية في الرقبة وتحت الابطين

يحتاج مرض كاوازاكي للعلاج بالسرعة القصوى عند تشخيصه، وذلك لأنه قد يسبب ضرراً دائماً في شرايين القلب، ويتركز العلاج بشكل رئيسي على إعطاء الغلوبولين المناعي عن طريق الوريد، وغالباً ما يشفى مرض كاوازاكي بدون مضاعفات إذا تم العلاج بسرعة وفي الأيام العشر الأولى للإصابة.

الملخص

تشكل التهابات الأوعية الدموية على الرغم من قلة شيوعها حالات جدية وهامة ويجب الانتباه لها، لأن اهمالها والتأخر في تشخيصها ينجم عنه مضاعفات قد تكون خطيرة وتتسبب في ضرر دائم وخسارة في العضو المصاب نتيجة اضطراب وانقطاع التروية الدموية عنه، وبالمقابل يمكن السيطرة عليها بشكل جيد من خلال الالتزام بالعلاج الدوائي والابتعاد عن المحرضات.