ما هو اليرقان؟
اليرقان ويُعرف بالاصفرار أو "أبو صفار" أو "الصفار الأبيض". وهو تحول لون البشرة للأصفر وفي حالات متقدمة للأصفر المُخضر، وهذا الإصفرار قد يطال بياض العين (الصلبة).
ولايُعتبر اليرقان مرضاً قائماً بحد ذاته، وإنما انعكاس لارتفاع قيم مادة كيميائية صفراء في الجسم تُعرف باسم "بيليروبين"، وهذا الارتفاع يكون متعلقاً بأمراض الكبد عادةً.
لأن سلامتك تهمنا
تحدث مع طبيبوقد يكون من الصعب تحديد الأرقام الدقيقة حول انتشار اليرقان حول العالم، وذلك لارتباطه بالعديد من الأمراض. وتعد الحالات المرضية الحادة جزء كبير من أرقام الإحصائيات.
آلية التخلص من "بيليروبين"
ينتج الجسم حوالي 4 ملغ / كجم من وزنه من "بيليروبين" يومياً، ومعظم هذا الإنتاج يكون من عملية تخريب كريات الدم الحمراء، وبالتحديد عنصر "هيموغلوبين".
حيث إن عملية التخلُّص من الكريات ينتج عنها مركبين هامين هما:
- الهيم والذي يتسلسل بعدة مركبات وصولاً إلى "بيليروبين"
- الغلوبين وهي بروتينات، والتي يعيد الجسم استخدامها
يستقبل الكبد كميات "بيليروبين" المنتجة، وتتمثل مهمته في التخلص منها خارج الجسم. ومن أجل أن تتم هذه العملية، يلزم مايلي:
١- عملية الاقتران:
إن بيليروبين غير المقترن هو بيليروبين غير قابل للذوبان في الماء، ولذلك يصعب التخلص منه. بالتالي يخضع بيليروبين في الكبد لعملية اقتران بحمض جلوكورونيك، مما يؤدي لتشكل بيليروبين مقترن أو (المباشر).
٢- الإفراز الصفراوي:
بعد أن تتم عملية الاقتران، يطلق الكبد مادة بيليروبين عبر الأقنية الصفراوية وصولاً للمرارة، التي تخزنه للتخلص منه لاحقاً عبر الأمعاء الدقيقة.
كيف يحدث اليرقان؟
يحدث اليرقان إما بسبب زيادة انتاج بيليروبين أو لقلة طرحه، ويظهر بالأشكال التالية:
١- اليرقان قبل الكبدي
تكون المشكلة في زيادة تخريب الكريات الحمراء، والذي من الممكن أن يكون عائداً لأسباب متنوعة ومختلفة. وترتفع هنا قيم بيليروبين غير المقترن.
٢- اليرقان الكبدي
تكون المشكلة في وظيفة الكبد، والتي قد تعيق إما عملية الاقتران أو الإفراز أو الاثنين معاً، وبالتالي قد يرتفع نتيجةً لذلك إما بيليروبين غير المقترن أو المقترن، تِبعاً لمستوى الأذية، أو الاثنين معاً.
٣- اليرقان بعد الكبدي
ترتفع في هذا النمط من الإصابة قيم بيليروبين المقترن، ويكون الخلل متمثل عادةً في عملية التخلص من بيليروبين.
ما أسباب حدوث اليرقان؟
هنالك عدة عوامل تسبب ارتفاع قيم بيليروبين بالتالي حدوث اليرقان، وهي كالتالي:
١- أسباب قبل كبدية
يعد أكثر الأسباب شيوعاً لهذا النوع فقر الدم الانحلالي، وهو انحلال مبكر لكريات الدم الحمراء نتيجةً لمشاكل في شكل الكرية أو لأسباب خارجية غير متعلقة بالكرية.
يؤدي هذا الانحلال لزيادة في كمية بيليروبين، التي لا يستطيع الكبد التخلص منها. وتضمن أهم أشكاله:
- الملاريا: وهي عدوى طفيلية تستهدف كريات الدم الحمراء، وتؤدي لانحلالها. (١)
- فقر الدم المنجلي: وهو مرض وراثي، تأخذ فيه الكرية شكل المنجل، وهذا الاضطراب في الشكل يقصِّر من عمر الكرية الحمراء، ويؤدي في النهاية إلى ظهور اليرقان.
- كثرة الكريات الحمر الوراثي: ويعرف أيضاً بتكور كريات الدم الوراثي، وهو اضطراب يطال غشاء الكرية، ويجعلها تأخذ شكل الكرة.
- الثلاسيميا: تكون المشكلة هنا في بنية الخضاب، والذي يؤثر أيضاً على عمر الكريات الحمراء. (٢)
- فقر الدم الانحلالي المناعي الذاتي: هو اضطراب مناعي ذاتي، يهاجم فيه الجسم كريات الدم الحمراء، الأمر الذي يؤدي لارتفاع أرقام بيليروبين. (٣)
٢- الأسباب الكبدية
وهذه الأسباب هي أهم مسببات اليرقان وتضم:
- التهاب الكبد: تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى تشكيل حدثية التهابية في الكبد، وتضم:
- التهاب الكبد الفيروسي: يشكل سبباً مهماً لحدوث اليرقان، ويضم التهاب الكبد A و B و C و E.
- التهاب الكبد الجرثومي: قد تصل الجراثيم وتسبب عدوى في الكبد، ولكنها أقل شيوعاً من الفيروسات.
- التهاب الكبد الكحولي: يمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط للكحول إلى التهاب الكبد الدهني. عادةً ما يتطور التهاب الكبد الكحولي إلى تليف الكبد إذا استمر المريض في شرب الكحول.
- التهاب الكبد المناعي الذاتي: هو مرض مناعي ذاتي، يهاجم فيه الجهاز المناعي الخلايا الكبدية.
- يمكن أن تحدث أذية في الكبد بسبب بعض الأدوية أو السموم.
- تشمع الكبد: يعتبر تشمع الكبد المرحلة الأخيرة لالتهاب المزمن الذي يطال الكبد، وفيه يحل نسيج ندبي (تليُّف) مكان النسيج الطبيعي، ويؤدي لتتدهور وظيفة الكبد تدريجياً.
- سرطان الخلية الكبدية: يظهر اليرقان في 19-40٪ من مرضى سرطان الكبد وقت التشخيص.
- المتلازمات الوراثية: يمكن أن تؤدي بعض الأمراض الوراثية إلى خلل في وظيفة الكبد، قد يؤول لحدوث يرقان، نذكر منها متلازمة جيلبرت ودوبين جونسون بالإضافة لمتلازمة كريغلر-نجار.
٣- الأسباب بعد كبدية
يعرف أيضاً باليرقان الانسدادي، وتتمحور المشكلة بآفة تسد أو تُضيِّق الطرق الصفراوية. وتضم أكثر الأسباب شيوعاً:
- داخل اللمعة: يكون سبب الانسداد داخل اللمعة، مثل الحصيات المرارية أو حصيات الطرق الصفراوية.
- الجدار: تكون الأذية ضمن الجدار، مثل ضعف حركة الجدار في نقل الصفراء بسبب الأدوية أو سرطان القنوات الصفراوية.
- خارج الجدار: يكون السبب هنا خارجي، يضغط على طرق نقل طرق نقل الصفراء، مثل سرطان البنكرياس، والأورام البطنية الأخرى.
ما هي أعراض اليرقان؟
قد يترافق اليرقان مع مجموعة من الأعراض، المتعلقة بارتفاع قيم بيليروبين أو بالمرض الأساسي المُسبب. وهي كالتالي:
تحدث مع طبيب الآن
- براز شاحب
- بول داكن اللون
- الشعور بألم بطني
- فقدان الشهية
- خسارة الوزن
- حدوث حكة بالجسم
- ارتفاع درجات الحرارة (حُمّى)
كيفية تشخيص اليرقان
لا يشكل تشخيص اليرقان صعوبة أمام الطبيب، حيث يساعد لون المريض بتحديد الحالة، بالإضافة لمجموعة من التحاليل المخبرية التي تؤكد التشخيص.
إلا أن الأمر الأساسي هو معرفة السبب الذي أدى لظهور اليرقان. والذي يتم عبر الترتيب الآتي:
١- القصة المرضية:
تساعد القصة المرضية كثيراً في التوجه نحو السبب، وتشكل مفتاح التشخيص الذي يعتمد عليه الطبيب، وتتضمن:
- السؤال عن زمن بدء الحالة ومدى تطورها خلال تلك الفترة الزمنية.
- الاستفسار عن وجود ألم مفاصل أو ألم عضلي لنفي التهاب الكبد المناعي الذاتي.
- الأمراض المزمنة التي يعاني منها المريض، حيث أن وجود التهاب قولون تقرحي قد يوجه للاضطرابات المناعية الذاتية في الكبد.
- الأدوية التي يأخذها المريض بشكل مستمر.
- كميات الكحول التي يستهلكها الشخص بشكل اعتيادي.
- السفر والأماكن التي قصدها المريض في الآونة الأخيرة.
- السؤال عن العلاقات الجنسية وإجراءات الأمان خلال العلاقة وذلك من أجل نفي التهاب الكبد الفيروسي.
- الاستفسار عما إذا كان هناك أي حالة يرقان مشابهة في العائلة من أجل نفي الاضطرابات الوراثية.
٢- الفحص السريري:
يضيف الفحص السريري معلومات قيمة توجه نحو العامل المسبب ويضم هذا الفحص ما يلي:
- يبدأ الطبيب عادةً بنظرة عامة وقد يلاحظ وجود هزال عضلي والذي قد يوجه نحو آفة سرطانية أو تشمُّع الكبد.
- ثم يبحث الطبيب عن العلامات التي قد تدل على وجود تشمع للكبد، مثل:
- العنكبوت الوعائي: ويدعى أيضاً بالورم الوعائي العنكبي، وهو توسع للأوعية الدموية السطحية، والتي تعطي شكل العنكبوت على الجلد.
- الحمامى الراحية: وهو حدوث احمرار في اليدين
- التثدي
- ضمور الخصية
- بعد ذلك، يحاول الطبيب تحسس مكان الكبد، لمحاولة اكتشاف حالة ضخامة كبد أو وجود ضخامة عقد لمفاوية قريب، والذي يوجه أيضاً نحو الآفات السرطانية.
- يمكن أن يفحص الطبيب كورفوازييه، والتي تتضمن جس مرارة متضخمة محسوسة وغير مؤلمة، وتوجّه إيجابيةهذا الفحص نحو سرطان البنكرياس غالباً.
٣- الفحوص الإضافية:
يوجد عدة فحوص واختبارات تساعد في تأكيد التشخيص النهائي، وهي كالتالي:
١- التحاليل المخبرية:
إن أهم مافي التحاليل المخبرية، هو تقدير قيم بيليروبين ومعايرة وظائف الكبد اللذان يفرقان بين الأسباب الكبدية وقبل الكبدية.
بالإضافة لتعداد الدم (CBC)، وبعض الفحوص الخاصة بكشف العدوى الفيروسية.
٢- الفحوص التصويرية:
تشمل هذه الفحوص، ما يلي:
- تصوير البطن بالأمواج فوق الصوتية
- التصوير المقطعي المحوسب
- تصوير البنكرياس والأقنية الصفراوية بالرنين المغناطيسي (MRCP)
- تصوير البنكرياس والقنوات الصفراوية بالمنظار بالطريق الراجع (ERCP)
- تصوير الأقنية الصفراوية عبر الكبد (PTC)
- التنظير بالأمواج فوق الصوتية (EUS)
٣- خزعة الكبد:
يعتمد هذا الاختبار على أخذ عينة من النسيج الكبدي من خلال إبرة عبر الجلد، وتخضع هذه العينة لعدة اختبارات تشخيصية.
علاج اليرقان
يعالج اليرقان بعلاج المرض المسبب له، كونه عبارة عن علامة لمرض آخر، ويختلف الخيار العلاجي حسب شدة الحالة، حيث إن بعض الحالات يلزمها متابعة في المشفى، وأخرى لا تحتاج سوى للراحة.
وتكون الخيارات العلاجية على العموم بالشكل التالي:
١- حالة اليرقان قبل الكبدي
بالنسبة لمرضى فقر الدم الانحلالي، يختلف العلاج حسب كل حالة، ولكن قد يفيد نقل الدم في تخفيف من وطأة اليرقان.
٢- حالة اليرقان الكبدي
- يبقى مريض التهاب الكبد الفيروسي تحت المراقبة دون أي تدخل علاجي، وإنما فقط الراحة ومتابعة قيم وظائف الكبد، إلا أن بعض أنواع الفيروسات قد تتطلب علاجاً بمضادات الفيروسات المناسبة.
- يكون علاج التهاب الكبد الكحولي معتمداً على إيقاف تناول الكحول.
- الأمر ذاته بالنسبة لالتهاب المرتبط بالأدوية، حيث إن إيقاف الدواء هي الخطوة العلاجية الأولى وفي بعض الحالات قد يكون هناك ترياق للدواء يقي من الأضرار المحتملة.
- يمكن أن تكون الستيروئيدات خياراً بالنسبة لمرضى التهاب الكبد المناعي الذاتي.
- قد تساعد الأدوية في تخفيف بعض الأعراض المرتبطة بتشمع الكبد مثل المدرات لتخفيف الوذمة والحبن (تراكم السوائل داخل البطن)، أو لاكتولوز من أجل تخفيف مستوى البولة المرتفع.
- في حالة مرضى تشمع الكبد يكون الخيار العلاجي هو زرع الكبد.
٣- حالة اليرقان بعد الكبدي
تفيد الجراحة كخيار علاجي في الأسباب بعد الكلوية مثل الحصيات المرارية أو أورام البنكرياس.
الوقاية من اليرقان
قد يكون لبعض الخطوات دور وقائي من حدوث بعض الأمراض الكبدية وغيرها، ومنها:
- تجنب أخذ أي صنف من الأدوية العشبية دون استشارة الطبيب، فبعض هذه الخيارات قد يكون له تأثير ضار على الكبد، والبعض قد يترك تأثيرات دائمة.
- الانتباه للحد الأعلى للجرعات الدوائية الموصى بها وعدم تجاوزها.
- الابتعاد عن التدخين والعادات الصحية السيئة.
- التأكد من الحصول على لقاح التهاب الكبد B.
- الانتباه لوسائل الوقاية عند ممارسة الجنس، تجنُباً لنقل فيروس التهاب الكبد B.
- العناية بنظافة الطعام واختيار مطاعم صحية ملتزمة بقواعد النظافة.
- تجنُّب الإكثار من شرب الكحول.
- اعتماد نظام غذائي صحي مليء بالخضروات والفواكه.
اليرقان عند حديثي الولادة
يرتبط اليرقان عند حديثي الولادة بأمرين:
الأول: هو الانتشار الواسع لحالات اليرقان عند حديثي الولادة، فقد أشار مرﻛﺰ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻷﻣﺮاض واﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ CDC، أن حوالي 60٪ من الأطفال حديثي الولادة يصابون باليرقان، وتظهر العلامات في غضون 48 ساعة من الولادة.
إن هذه الأرقام الكبيرة تعود غالباً لحالة تعرف باليرقان الفيزيولوجي، وفيه يكون كبد الطفل غير مستعد بعد لأن يتخلص من بيليوربين، وتعد حالة سليمة تختفي من تلقاء نفسها.
الثاني: خطورة المضاعفات الممكنة والمتمثلة باليرقان النووي أو حتى فقدان الحياة، حيث إنه بالإضافة لليرقان الفيزيولوجي هناك أسباب أخرى، قد تترافق بقيم مرتفعة للبيليروبين في الدم، والذي يمكن أن يصل للدماغ، ويسبب أذية.
الملخص
معظم حالات اليرقان قد تزول تلقائياً ولكن معرفة السبب والمراقبة ضروري جداً وذلك لتشخيص الأسباب قبل أن تستفحل. كما ينصح بطلب الاستشارة الباكرة من الطبيب المختص لاجراء الفحوص المناسبة.
مصادر
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK470290
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1119305
- https://sickle-cell.com/symptoms/jaundice
- https://rarediseases.org/rare-diseases
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK470217
- https://teachmesurgery.com/hpb/presentations/jaundice
- https://raisingchildren.net.au/newborns/health-daily-care/health-concerns/jaundice-in-newborns