المتلازمة الاكليلية الحادة: عوامل الخطر والعلاج

الكاتب - 19 أكتوبر 2023

تشكل الشرايين الاكليلية المصدر الرئيسي لتروية العضلة القلبية بالدم والأوكسجين، بالتالي فإن أي اضطراب أو إصابة على مستوى الشرايين الاكليلية ستنعكس بشكل سلبي على تروية القلب وعمله. وتعتبر المتلازمة الاكليلية الحادة من أحد أشكال هذه الاضطرابات. فما هي هذه المتلازمة وما عوامل الخطر التي ترفع من نسب الإصابة، وكيف يتم التعامل معها؟

تعريف المتلازمة الاكليلية الحادة

المتلازمة الاكليلية الحادة "Acute Coronary Syndrome" مصطلح يشمل مجموعة من الحالات والاضطرابات التي تسبب حدوث نقص أو انقطاع مفاجئ للتروية الدموية عن جزء أو عدة أجزاء من العضلة القلبية.

تسبب الاضطرابات التي تتضمنها المتلازمة الاكليلية الحادة حدوث ضعف لجريان الدم في الشريان الاكليلي أو حدوث انسداد شبه تام أو كامل تماماً في الشريان المصاب بشكل تدريجي أو مفاجئ.

كما يؤدي ضعف التروية الدموية عن خلايا عضلة القلب أو انقطاعه إلى حدوث:

  • نقص تروية قلبية أو احتشاء عضلة قلبية (جلطة قلبية)
  • حدوث تموت وأذية في خلايا العضلة القلبية
  • ظهور أعراض المتلازمة الاكليلية الحادة

الحالات المرضية التي تشملها المتلازمة الاكليلية الحادة

تتضمن المتلازمة الاكليلية الحاد ثلاث حالات مرضية يحدث فيها بطيء أو انقطاع لجريان الدم في الشرايين الاكليلية وحدوث نقص التروية للعضلة القلبية وهذه الحالات هي:

١- خناق الصدر غير المستقر "Unstable angina"

خناق الصدر غير المستقر هو أحد أشكال الذبحة الصدرية التي يحدث فيها نقص تروية في عضلة القلب بسبب وجود تضيقات واصابات في الشرايين الاكليلية.

ما يميز خناق الصدر غير المستقر هو حدوث أن أعراض الذبحة التي تشمل الألم الصدري والزلة التنفسية وغيرها، كما تحدث بشكل مفاجئ وبدون انذار وحتى خلال الراحة. وهذا يدل على وجود تبدل وتطور مفاجئ لدرجة الإصابة والتضيق ضمن الشرايين وتفاقم نقص التروية.

٢- احتشاء العضلة القلبية دون ارتفاع القطعة ST

تمثل القطعة ST جزءاً من مخطط القلب الكهربائي والتي تتوافق مع المرحلة من الضربة القلبية التي تسترخي فيها بطينات القلب وتحصل على التروية الدموية، بالتالي فإن التبدلات الناجمة عن نقص تروية القلب يمكن ملاحظتها ومراقبتها عن طريق تخطيط القلب. وذلك من خلال مراقبة مخطط الجزء ST من موجة مخطط القلب بشكل عام.

ولكن هناك حالات من احتشاء عضلة القلب يمكن ان تحدث دون ظهور تبدلات في هذه القطعة من المخطط، ومع ذلك يكون الاحتشاء موجود من الناحية السريرية بالإضافة للأعراض والتحاليل الدموية أيضا. وهذا النوع من احتشاء العضلة القلبية يدعى باحتشاء عضلة القلب دون ارتفاع وصلة ST على مخطط القلب (Non-ST-Elevation Myocardial Infraction).

ويعني عدم وجود تغيرات في المخطط الكهربائي في هذا النوع من الاحتشاء أن الانسداد والاغلاق الذي حدث في الشريان الاكليلي نتيجة الجلطة القلبية لم يكن انسداد كامل أو كان انسداد لفترة عابرة وزال بشكل جزئي.

٣- احتشاء العضلة القلبية مع ارتفاع القطعة ST

يحدث الاحتشاء في عضلة القلب بشكل عام نتيجة تشكل مفاجئ لخثرة دموية في الشريان الاكليلي أو تمزق لويحة عصيدية "Plaque" مترسبة في جدار هذا الشريان دون سابق انذار. وتكون النتيجة هو حدوث انسداد في الشريان المصاب.

ما يميز احتشاء العضلة القلبية مع ارتفاع الوصلة ST على مخطط القلب (ST-Elevation Myocardial Infraction). هو أن الشريان الاكليلي هنا يكون مسدود بشكل كامل بفعل الخثرة. والاحتشاء ويسبب انقطاع تروية كامل عن جزء من عضلة القلب. ويتظاهر على مخطط القلب الكهربائي وفي تحاليل الدم والأعراض السريرية.

وفقاً لدراسة تم اجراءها عام 2016 شملت 145 مريضاً شخص لديهم وجود أحد أشكال المتلازمة الاكليلية الحادة. كانت حالة احتشاء العضلة القلبية مع ارتفاع وصلة ST هي الأكثر شيوعاً بنسبة 87Acute Coronary Syndromes% تلتها حالة الاحتشاء بدون ارتفاع الوصلة ST 10%. وأخيراً خناق الصدر غير المستقر 2%.

أسباب وعوامل الخطر لحدوث المتلازمة الاكليلية الحادة

يعد تصلب الشرايين أو ما يعرف بالتصلب العصيدي "Atherosclerosis" السبب الأكثر شيوعاً لحدوث المتلازمة الاكليلية الحادة واصابات الشرايين الاكليلية بشكل عام.

حيث يحدث فيه ترسب للشحوم والكوليسترول بشكل مستمر ومزمن ضمن جدران الشرايين، هذا التراكم يسبب تشكل لويحات عصيدية ضمن جدران الشرايين. ويمكن أن تبرز ضمن لمعة الشريان الاكليلي وتسبب إعاقة لجريان الدم وفيه وحتى انسداد الشريان بشكل كامل وحدوث الجلطة القلبية. والسبب في حدوث التصلب العصيدي وتطوره غير معروف بشكل دقيق.

إضافة للتصلب العصيدي هناك مجموعة من العوامل المرضية والاضطرابات الصحية التي ترفع من خطر حدوث المتلازمة الاكليلية الحادة، وتشمل أبرز هذه العوامل ما يلي:

  • التدخين
  • ارتفاع التوتر الشرياني غير المضبوط
  • ارتفاع مستويات الكوليسترول والشحوم في الدم
  • الإصابة بمرض السكري
  • البدانة
  • قلة النشاط الفيزيائي
  • وجود سوابق عائلية للإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الشرايين

الأعراض

تتماثل أعراض الأنماط المختلفة للمتلازمة الاكليلية الحادة فيما بينها وهي تتلخص بأعراض نقص التروية القلبية والتي تتضمن بشكل عام:

  • الألم الصدري الذي يتركز في منتصف الصدر ويكون إما ضاغط أو عاصر، ويمكن أن ينتشر للفك السفلي والذراعين. هذا الألم يتطور بشكل مفاجئ وعلى الراحة وقد يتحرض بعد الجهد.
  • الإحساس بالخفقان وتسرع ضربات القلب.
  • عدم انتظام ضربات القلب.
  • ضيق التنفس والاحساس بالزلة التنفسية وعدم الحصول على أوكسجين كاف.
  • انخفاض القدرة على القيام بالجهد البدني.
  • حدوث تبدلات وعدم انتظام في مستويات ضغط الدم، فقد يرتفع ضغط الدم في بعض الحالات وينخفض في حالات أخرى.

الوسائل التشخيصية

يحتاج تشخيص وجود أحد أشكال المتلازمة الاكليلية الحادة إلى مجموعة إجراءات تتضمن بشكل رئيسي ما يلي:

١- القصة المرضية والفحص السريري

يسأل الطبيب عن أعراض المريض وطبيعتها وشدتها، كوجود الألم الصدري والزلة التنفسية وغيرها كي يتوجه لوجود مشكلة في الشرايين الاكليلية.

إضافة إلى ذلك يتم السؤال عن وجود سوابق مرضية عند الشخص وأمراض مرافقة كارتفاع الضغط أو السكري، والاستفسار عن وجود سوابق وراثية في العائلة لأمراض القلب.

٢- تخطيط القلب الكهربائي ECG

يعد تخطيط القلب الكهربائي اجراء روتيني في كل أمراض القلب واصاباته لأنه يعطي فكرة هامة عن حركة عضلة القلب وتروية عضلة القلب الدموية. وذلك من خلال تسجيله للتنبيهات الكهربائية الناجمة عن تقلص القلب واسترخائه في كل ضربة وعرضها على مخطط خاص.

يمكن من خلال اجراء مخطط القلب وخصوصاً في حال وجود أعراض ملاحظة علامات نقص التروية القلبية، وحتى الشك بوجود احتشاء وانسداد كامل في الشرايين الاكليلية التي تغذي القلب. ويتم ذلك من خلال ملاحظة ورصد التغيرات والتبدلات التي تحصل على مستوى مخطط القلب الكهربائي والتي تتوافق مع مكان الأذية ونقص التروية.

٣- تحاليل الدم المخبرية

تساعد تحاليل الدم على تشخيص المتلازمة الاكليلية الحادة وبشكل خاص حالات الاحتشاء والجلطات القلبية، حيث يمكن من خلال معايرة نسب بعض المواد في الدم والتي تعرف بالخمائر القلبية أن يتم تحديد فيما إذا كان سبب الألم الصدري والأعراض الخناقية قلبي المنشأ أم لا.

ترتفع نسب هذه الخمائر في الدم في حالات الاحتشاء ونقص التروية الحاد في عضلة القلب وبذلك تساهم في وضع التشخيص. ومن أشهر هذه المواد وأكثرها حساسية هي مادة التروبونين (Troponin). 

٤- تصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية "Echocardiography"

يفيد تصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية في معرفة:

  • وظيفة القلب
  • حركة جدران عضلة القلب
  • تقييم عمل صمامات القلب
  • وغيرها من التفاصيل والقياسات التي تساهم في تحديد وجود مشكلة على مستوى القلب وتشخيصها.
٥- قسطرة القلب

قسطرة القلب أو ما يعرف بالتصوير الظليل للشرايين الاكليلية "Coronary Angiography" وهو اجراء يتضمن الوصول للشرايين الاكليلية عن طريق أنبوب صغير القطر يتم الدخول فيه عن طريق الشريان الفخذي عادةً ويصل للشريان الأبهر ومدخل الشرايين الاكليلية.

بعد الوصول بأنبوب القسطرة يتم حقن مادة صبغية ظليلة على الأشعة في الشرايين الاكليلية بشكل مباشر، ويتم مراقبة انتشار هذه المادة الظليلة ضمن الشرايين الاكليلية عن طريق تصوير مستمر ومباشر بواسطة الاشعة السينية.

يمكن من خلال مراقبة مرور المادة الظليلة ضمن الشريان تحديد وجود تضيق أو انقطاع وانسداد كامل فيه. إضافة لتقييم قطر الشريان الاكليلي وسرعة الجريان الدموي ضمنه، بالتالي تعتبر قسطرة القلب اجراء ذهبي لتشخيص إصابات ومشاكل الشرايين الاكليلية.

أساليب العلاج

تعتبر حالة المتلازمة الاكليلية الحادة بأشكالها المختلفة حالة إسعافيه وتحتاج مراجعة أقرب مشفى أو مركز طبي ليتم التشخيص وتدبير الأعراض في حال تفاقمها، وتتضمن خيارات العلاج المتاحة ما يلي:

١- العلاج الدوائي

تمثل الأدوية الخط الأول في علاج الحالة الحادة للمتلازمة الاكليلية الحادة وأيضاً في العلاج المستمر بعيد المدى. ويعتمد على مجموعة من الزمر الدوائية وأهمها هي مميعات الدم. والتي بدورها تمنع تشكل خثرات جديدة وتقلل من خطر انسداد الشرايين الاكليلية وأشهر هذه المميعات:

  • الأسبرين (Aspirin)
  • الهيبارين (Heparin) 

إضافة للمميعات فهناك أدوية قلبية أخرى يتم استخدامها لضبط الضغط الشرياني وسرعة ضربات القلب. وذلك لإراحة العضلة القلبية وتخفيف أعراض نقص التروية.

٢- العلاج الجراحي والتداخلي

لا يكفي العلاج الدوائي بشكل عام لتدبير المتلازمة الاكليلية الحادة بل يتم اللجوء لإجراءات إضافية لاستكمال التشخيص والعلاج للمشكلة الحاصلة على مستوى الشرايين الاكليلية. حيث يكون الهدف هو إزالة التضيق أو الانسداد ضمن الشريان واستعادة التروية الدموية للأجزاء فاقدة التروية من عضلة القلب، ويتم هذا الأمر بواسطة الإجراءات التالية:

١- قسطرة القلب عبر الجلد (PCI)

تعد قسطرة القلب اجراء تشخيصي وعلاجي في الوقت نفسه لإصابات الشرايين الاكليلية. حيث يتم من خلالها تحديد وجود الانسداد والتضيق في الشريان الاكليلي من خلال حقن المادة الظليلة في الشرايين الاكليلية وتصويرها عبر الأشعة.

وبعد تحديد مكان الانسداد والتضيق وشدته يمكن محاولة اجراء فتح للشريان وتوسيع. ويتم ذلك إما من خلال نفخ بالون ضمن منطقة التضيق في الشريان لتوسيعه أو عن طريق زرع دعامة (Stent) ضمن الشريان الاكليلي في المنطقة المتضيقة، وذلك لإزالة التضيق واستعادة التروية الدموية.

٢- عملية المجازات الاكليلية "Coronary Artery Bypass Grafting"

تعد عملية المجازات الاكليلية أحد عمليات القلب المفتوح التي يتم فيها إعادة التروية الدموية لعضلة القلب عن طريق زرع طعوم وعائية (مجازات) وخياطتها بشكل مباشر على الشرايين الاكليلية بعد منطقة التضيق والانسداد في الشريان.

تؤمن هذه الطعوم الوعائية جريان الدم للمناطق بعد المنطقة المسدودة وتعيد ترويتها، وبهذا يتم التخلص من أعراض نقص التروية.