التوحد: كيف يؤثر في الدماغ والسلوك والعلاقات الاجتماعية؟

الكاتب - 28 مارس 2024

ينتج التوحد عن اضطراباتٍ في الدماغ مما يسبب مشكلات في التواصل والتفاعل الاجتماعي وتحديداً في السلوكيات بما يقلل من جودة حياة المريض.

ما هو التوحد؟

يعد التوحد "Autism" أو ما يسمى باضطراب طيف التوحد "ASD" اضطراب عصبي وتنموي يؤثر في كيفية تفاعل الشخص وتواصله مع الآخرين بالإضافة إلى صعوبات التعلم والسلوك.

ويتمثل التوحد فيما يلي:

  • صعوبة في التواصل والتفاعل مع الآخرين
  • الاهتمامات المحصورة
  • السلوكيات المتكررة
  • ظهور أعراض تؤثر في قدرة المريض على التعامل في مجالات الحياة

ويعرف مرض التوحد باسم اضطراب الطيف التوحدي لأن هناك تبايناً واسعاً في نوع وشدة الأعراض التي يعانيها الأشخاص المصابون.

ويمكن أن يصاب الأشخاص من جميع الأجناس والأعراق بالتوحد. وعلى الرغم من أن هذا المرض يكون اضطراباً يصيب الشخص مدى الحياة إلا أن العلاجات المتوفرة يمكن أن تحسن من الأعراض التي تظهر على المريض وأدائه اليومي.

وتوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأن يتلقى جميع الأطفال فحصاً لمرض التوحد حيث يجب على الوالدين التحدث إلى طبيب الأطفال حول إجراء تقييمٍ للإصابة بالاضطراب. (1)

أعراض التوحد

تتنوع أعراض التوحد وعلاماته من شخصٍ إلى آخر ويمكن أن تشكل مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعيين تحدياً للأشخاص الذين يعانون هذا المرض.

وتظهر بعض الأعراض على الأطفال الصغار تشمل ما يلي:

1- ضعف التواصل

  • تجنب التواصل البصري أو عدم الحفاظ عليه لفترة طويلة
  • عدم الاستجابة للنداء باسمه في عمر 9 أشهر
  • غياب تعبيرات الوجه مثل السعادة والحزن والغضب أو الشعور بالمفاجأة في عمر 9 أشهر
  • تجنب المشاركة في الألعاب التفاعلية في عمر 12 شهراً
  • قلة استخدام الإيماءات أو عدم استخدامها مطلقاً في سن 12 شهراً
  • عدم مشاركة الاهتمامات مع الآخرين في عمر 15 شهراً
  • عدم محاولة الإشارة إلى شيء مثير للاهتمام في عمر 18 شهراً
  • ضعف ملاحظة مدى انزعاج الآخرين في عمر 24 شهراً

ومع مرور الوقت قد يغيّر مرض التوحد طريقة إدراك الشخص للعالم من حوله. ويصبح المريض شديد الحساسية لمحفزات معينة مثل الضوء والصوت والطعم بما يؤدي إلى تحفيز حاسة واحدة أو أكثر بشكل مبالغ فيه وهو ما يُعرف باسم فرط التحميل الحسي.

ويمكن أن تصبح الأنشطة اليومية مثل الذهاب إلى مركز تجاري تجربة مربكة ومرهقة بالنسبة لمريض التوحد.

2- ضغف المهارات

  • التطور المتأخر لمهارات الكلام
  • صدور أنماط كلام ونغمة صوت غير اعتيادية
  • صعوبة في المتابعة في المحادثات أو الاستجابة لها

3- اضطرابات في السلوك

  • أنماط متكررة من الكلام والسلوك
  • صعوبة في فهم مشاعر الآخرين
  • التركيز الشديد على موضوعٍ معين مثل الجداول الزمنية للقطارات والسيارات
  • الانشغال مع عناصر معينة مثل الألعاب
  • حركات متكررة مثل التنقل من جانب إلى آخر
  • صف أو ترتيب الألعاب أو الكائنات بانتظام
  • الحاجة إلى الالتزام بروتينٍ يمكن التنبؤ به كل يوم

بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي ظروف معينة إلى الشعور بالغضب أو الإحباط أو الضيق أو الحزن الذي قد يعتبره الآخرون سلوكاً سيئاً. وتحدث هذه التغييرات نتيجة تغيرٍ في الروتين مثل وقوع حدث غير متوقع أو التعرض للبيئات الصاخبة.

وتشير الدراسات الطبية إلى ظهور علامات متلازمة سافانت (متلازمة الموهوب) لدى 10% من مرضى التوحد. (2) حيث تمنح المريض قدرات استثنائية في مجال محدد مثل العزف على الموسيقى أو إجراء العمليات الحسابية المعقدة بسرعة فائقة أو حفظ كميات هائلة من المعلومات.

من ناحية أخرى قد يزداد لدى المصابين بالتوحد خطر الإصابة بحالاتٍ صحيةٍ أخرى مثل: (3)

  • الاكتئاب
  • القلق
  • اضطراب الوسواس القهري
  • اضطرابات في الجهاز الهضمي
  • اضطرابات النوم
  • السمنة
  • ارتفاع ضغط الدم
  • السكري
  • التشنجات

الأسباب

لا يزال الباحثون يحاولون معرفة سبب حدوث اضطراب التوحد لكن توجد بعض العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في الإصابة بالمرض مثل ما يلي:

  • الخصائص الوراثية
  • العوامل البيئية
  • الاضطرابات المبكرة في نمو الدماغ
  • الولادة قبل الوقت المتوقع
  • الجنس: حيث يصيب التوحد الذكور أكثر أربع مرات مقارنة بالإناث (4)
  • وجود توأم مصاب بالتوحد

وتجدر الإشارة إلى أن الأبحاث الطبية لم تجد دليلاً على أن اللقاحات أو ممارسات الأهل تسهم في الإصابة بهذا المرض.

التشخيص

يمكن تشخيص الإصابة بمرض التوحد في أي عمر إلا أن الأعراض تظهر في أول عامين من حياة المريض. وإذا شك الشخص بإصابة طفله بالتوحد فإن الخطوة التالية تتمثل في التحدث إلى المختص حول هذا الموضوع مثل:

  • الطبيب العام
  • الاختصاصي النفسي
  • موظفي الاحتياجات التعليمية الخاصة في مدرسة الطفل

وتعتمد عملية التشخيص على عمر المصاب كما يلي:

أولاً: التشخيص لدى الأطفال الصغار

يعتمد التشخيص لدى الأطفال الصغار على مرحلتين هما يلي:

المرحلة الأولى: الفحص التطوري العام

يجب أن يتلقى كل طفل فحوصاتٍ صحيةٍ مع طبيب الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة. كما يتلقى الطفل فحصاً إضافياً إذا كان لديه احتمال أعلى للإصابة بالتوحد أو اضطرابات في النمو.

حيث يكون لدى الطفل احتمال أعلى للإصابة بالتوحد إذا كان أحد أفراد أسرته مصاباً بهذا المرض أو يظهر عليه بعض السلوكيات النموذجية التي تدل على احتمالية الإصابة أو لديه والد كبير في السن يعاني بعض الحالات الوراثية أو أن وزنه منخفض للغاية.

وقد يطرح الطبيب أسئلة حول سلوكيات الطفل وتقييم تلك الإجابات بالاقتران مع معلومات من أدواتٍ لفحص التوحد والملاحظات السريرية للطفل.

المرحلة الثانية: التقييم التشخيصي الإضافي

ينبغي تشخيص التوحد بدقةٍ لدى الأطفال المصابين به في أقرب وقتٍ ممكن حيث يقود ذلك إلى إلقاء الضوء على نقاط القوة والتحديات الأخرى. ويمكن أن يساعد الكشف المبكر أيضاً في تحديد الخدمات والبرامج التعليمية والعلاجات السلوكية التي من المرجح أن تكون مفيدةً للطفل.

ويتضمن الفريق المعالِج للشخص المصاب أطباء أعصاب الأطفال وعلماء الأمراض اللغوية واختصاصي الطب النفسي عند الأطفال والأطباء النفسيين والمتخصصين في التعليم والمعالجين المهنيين.

ويمكن أن يتضمن التقييم التشخيصي ما يلي:

  • الفحوصات الطبية والعصبية
  • تقييم القدرات المعرفية للطفل
  • تقييم قدرات الطفل اللغوية
  • ملاحظة سلوك الطفل
  • المحادثة مع الوالدين حول سلوك الطفل وتطوره
  • تقييم المهارات المناسبة لإنجاز الأنشطة اليومية بشكل مستقل مثل تناول الأطعمة وارتداء الملابس والدخول إلى الحمام

وقد يطلب الطبيب إجراء تحاليل الدم واختبارات السمع نظراً لأن التوحد اضطراب معقد ويحدث أحياناً مع أمراض أخرى.

ثانياً: التشخيص لدى الأطفال الأكبر سناً والمراهقين

يتحدث الطبيب مع الوالدين حول الصعوبات الاجتماعية التي يعانيها الطفل بما في ذلك مشكلات التواصل الدقيق.

على سبيل المثال قد يواجه بعض الأطفال مشكلات في فهم نغمة الصوت أو تعبيرات الوجه أو لغة الجسد. كما يواجه بعض الأطفال والمراهقين الأكبر سناً مشكلة في فهم الشخصيات أو التعبيرات مثل الفكاهة أو السخرية وقد يواجهون أيضاً صعوبات في تكوين الصداقات.

ثالثاً: التشخيص لدى البالغين

يعد تشخيص التوحد لدى البالغين أكثر صعوبةً مقارنة بالأطفال حيث يمكن أن تتداخل بعض أعراض التوحد عند البالغين مع أعراض اضطرابات الصحة العقلية الأخرى مثل اضطراب القلق أو نقص الانتباه أو فرط النشاط (ADHD).

ويمكن تحويل المريض البالغ إلى الطبيب النفسي الذي سيسأل عما يلي:

  • تحديات التفاعل الاجتماعي والتواصل
  • المشكلات في الشعور
  • السلوكيات المتكررة
  • الاهتمامات المحصورة

ويتضمن التقييم أيضاً التحدث إلى الأهل أو أفراد الأسرة الآخرين للتعرف على تاريخ تطور الإصابة بما يساعد في الحصول على التشخيص الدقيق.

العلاج

يعد العلاج المبكر لمرض التوحد مهماً لتقليل حدة أعراض الإصابة بما يسهم في المساعدة على التركيز على نقاط قوة المريض وتعلمه لمهارات جديدة.

وتعتمد الخطة العلاجية على ما يلي:

1- العلاج الدوائي

يمكن أن يصف الطبيب الأدوية لعلاج أعراضٍ محددة حيث يساعد العلاج الدوائي على تخفيف ما يلي:

  • التهيج
  • العدوانية
  • السلوكيات المتكررة
  • فرط النشاط
  • عدم الانتباه
  • القلق
  • الاكتئاب

2- العلاجات السلوكية والنفسية والتعليمية

يمكن إحالة الأشخاص الذين يعانون مرض التوحد إلى مقدمي الرعاية الصحية المتخصصين لتقديم العلاج السلوكي أو النفسي أو التعليمي أو بناء المهارات.

وتكون البرامج المقدمة من هؤلاء المتخصصين منظمة ومكثفة كما يشارك فيها الأهل والأشقاء وأفراد الأسرة الآخرين.

وقد تساعد هذه البرامج الأشخاص الذين يعانون التوحد على ما يلي:

  • تعلم المهارات الاجتماعية والاتصالات واللغة
  • تخفيف السلوكيات التي تؤثر في الأداء اليومي
  • زيادة أو بناء نقاط القوة
  • تعلم المهارات الحياتية اللازمة للعيش بشكلٍ مستقل