الفيروس المخلوي التنفسي: الأعراض واللقاح الجديد

الكاتب - أخر تحديث 9 أغسطس 2023

تعد حالات عدوى الطرق التنفسية سواء العلوية أو السفلية كالإنفلونزا والزكام وغيرها من أكثر الحالات الطبية المنتشرة والتي يصاب بها معظم الأشخاص بشكل متكرر. ويعود ذلك إلى التنوع الكبير بالعوامل المرضية المسببة لهذه الحالات وهي الفيروسات بشكل أساسي. حيث يوجد عدد كبير من الأنواع والأنماط الفيروسية التي تسبب أعراض في الطرق التنفسية عند الإصابة بها، ومن أشهرها الفيروس المخلوي التنفسي، فما هو هذا الفيروس وما خطورته وكيف يمكن التعامل معه؟ هذا ما سنكتشفه في ها المقال.

ما هو الفيروس المخلوي التنفسي؟

الفيروس المخلوي التنفسي "Respiratory Syncytial Virus" أو اختصاراً "RSV" هو فيروس ينتمي لعائلة الفيروسات الرئوية "Pneumoviridea"، والذي يسبب عدوى في الطرق التنفسية العلوية والقصبات والرئتين أحياناً عند انتقال العدوى بين الأشخاص.

يسبب هذا الفيروس أعراض خفيفة إلى متوسطة عند معظم الأشخاص الاصحاء. كما وتتراجع هذه الأعراض ضمن فترة أسبوع بشكل وسطي. ولكن عند هنالك مجموعة معينة من الأشخاص تكون إصابتهم بهذا الفيروس خطيرة وقد تهدد الحياة وبشكل خاص عند الأطفال حديثي الولادة والكبار في السن.

ووفقاً للإحصائيات فإن الفيروس المخلوي التنفسي يصيب حوالي 64 مليون شخص كل سنة، وهو السبب الأكثر شيوعاً لحدوث التهاب القصبات الهوائية في الرئتين "Bronchiolitis" عند الأطفال تحت عمر السنة.

الإصابة والعدوى

ينتقل الفيروس المخلوي التنفسي بشكل مشابه لمعظم الأمراض الفيروسية التنفسية وذلك من خلال التقاط الفيروس ودخوله للجسم عن طريق الأنف أو الفم، ويتم ذلك وفق الطرق التالية: 

  • سعال وعطاس المصاب بالقرب من الأشخاص السليمين حيث ينتشر الفيروس في الهواء مع الرذاذ والمفرزات الناجمة عن العطاس والسعال.
  • دخول الفيروس عن طريق الأنف أو الفم أو العينين نتيجة التعرض المباشر لجزيئات الفيروس التي تخرج مع السعال.
  • الاتصال المباشر مع المصاب بالفيروس، كتقبيل الطفل المصاب أو استعمال ادواته.
  • لمس السطوح التي تكون ملوثة بالفيروس المخلوي التنفسي كالطاولات ومقابض الأبواب وغيرها واهمال غسل وتعقيم اليدين. حيث يمكن أن يعيش الفيروس لعدة ساعات على الاسطح الصلبة.

يتعرض معظم الأشخاص للعدوى بالفيروس المخلوي التنفسي منذ الطفولة، حيث وجد أن غالبية الأطفال سيتعرضون للإصابة بهذا الفيروس خلال أول سنتين من حياتهم، ولكن هذه الإصابة لا تكون الوحيدة بل ستتكرر عدة مرات ويمكن للأشخاص في أي عمر التعرض للإصابة بالفيروس مجدداً.

عوامل الخطورة

تكون معظم حالات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي خفيفة إلى متوسطة الشدة وتتراجع بشكل تلقائي وبدون مضاعفات. ولكن بالمقابل هناك مجموعات عمرية وحالات معينة يشكل فيها التعرض للإصابة بالفيروس خطراً أكبر، حيث يزيد احتمال تطور الأعراض والاختلاطات المرافقة لهذه الإصابة، وتتضمن المجموعات التي يكون خطر تطور الإصابة الشديدة لديها ما يلي:

  • الأطفال الخدج (Premature infants) وهم الرضع الذين يولدون قبل اكتمال الفترة الزمنية للحمل الطبيعي أي قبل استكمال 37 اسبوعاً من الحمل.
  • الأطفال الصغار وحديثي الولادة الذين يعانون من عيوب وأمراض خلقية، كوجود عيوب خلقية في القلب، أو الرئتين، أو أجهزة أخرى عند الطفل.
  • الأطفال الصغار الذين يعانون من مشاكل مناعية مثل ضعف الجهاز المناعي.
  • البالغين المضعفين مناعياً نتيجة علاج معين.
  • كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، كأمراض القلب، أو السكري، والأمراض الرئوية وغيرها. 

تكون ذروة العدوى والاصابات بالفيروس المخلوي التنفسي بشكل عام في أوقات الانتقال الفصلي بين الخريف والشتاء وفي فصل الشتاء أيضا.

أعراض الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي 

تبدأ أعراض الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي بالظهور بعد حوالي 3-8 أيام وسطياً من التعرض للفيروس ودخوله للجسم.

تبدأ الأعراض بالظهور تدريجياً وقد تسوء حتى اليوم الثالث أو الرابع لتتحسن بعد ذلك حيث تكون مدة الإصابة أسبوع وسطياً، وتتضمن الأعراض التالية:

  • السيلان الأنفي
  • السعال
  • العطاس
  • احتقان الأنف
  • الحمى وارتفاع درجة الحرارة
  • التعب والوهن العام
أعراض ومضاعفات الأطفال عند الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي
أعراض ومضاعفات الأطفال عند الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي

المضاعفات

بالإضافة إلى الأعراض السابقة يمكن أن تتطور عند المصاب أعراض ومضاعفات أخرى قد تكون خطيرة ومهددة للحياة. وبشكل خاص عند الأطفال حديثي الولادة والذين تقل أعمراهم عن السنة، حيث يمكن أن تتسبب في دخولهم المشفى للعلاج. وهذا هو السبب الذي جعل الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي خطيرة ومحط اهتمام وذلك لحماية ووقاية الأطفال من مضاعفاته.

وتتضمن أبرز الاعراض والاختلاطات التي يسببها الفيروس المخلوي التنفسي ما يلي:

  • صعوبة في التنفس عند الطفل
  • تهيج ورفض للرضاعة
  • سماع لصوت وزيز واضح صادر من القصبات اثناء التنفس
  • حدوث التهاب القصيبات (Bronchiolitis): حالة يحدث فيها التهاب في الطرق الهوائية. وتحديداً التفرعات القصبية الصغيرة المسؤولة عن نقل الهواء وايصاله للرئتين. حيث تصبح الخلايا في جدران هذه القصيبات ملتهبة متورمة وتسبب صعوبة في حركة ادخال وإخراج الهواء من الرئتين. حيث يتضيق قطر هذه القصيبات بسبب الانتان، بالتالي يحدث تراجع في الوظيفة التنفسية والقدرة على الحصول على الأوكسجين عند الطفل.
  • الإصابة بذات الرئة (Pneumonia): حالة تنجم عن إصابة الحويصلات الهوائية (الأسناخ الرئوية) المسؤولة عن تبادل الغازات مع الهواء الخارجي والحصول على الأوكسجين بالالتهاب والعدوى. وهذه العدوى تكون بسبب عناصر مختلفة فيروسية أو جرثومية تصل للأسناخ الرئوية وتسبب تورم والتهاب في الخلايا مع تراكم وتجمع أحياناً للسوائل والمفرزات ضمن هذه الحويصلات. وهذا يسبب صعوبة في التنفس عند المصاب إضافة للحرارة والسعال وغيرها من الأعراض.

تشخيص الفيروس المخلوي التنفسي 

لا تكون عملية تشخيص الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي عملية سهلة بشكل عام. وذلك نظراً لعدة عوامل أهمها هي تشابه الأعراض مع الكثير من أنماط العدوى الفيروسية الأخرى بالتالي لا يمكن تمييزها بالفحوص الاعتيادية عادةً. والعامل الأخر هو أن الفحص النوعي لتشخيص وتحديد نوع الفيروس والذي يدعى بتفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) ليس متاح في جميع المراكز أو الأماكن ولذلك يقتصر اجراؤه على الحالات الشديدة من الإصابة.

تتضمن خطوات تشخيص الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي ما يلي:

١- القصة المرضية

تتضمن السؤال عن الأعراض ما طبيعتها، متى بدأت، شدة هذه الأعراض، مرافقاتها، إضافة للسؤال عن وجود سوابق للإصابة بأمراض مزمنة أو وجود حالات خاصة عند الطفل المصاب.

٢- الفحص السريري

يفحص الطبيب الأنف والبلعوم، واصغاء الصدر، كما يأخذ العلامات الحيوية للمريض كالنبض ونسبة الأوكسجين في الدم، و أيضا يجري فحص عام لباقي أجهزة الجسم وذلك لتقييم وضع المريض والتوجه بالتشخيص نحو الإصابة.

٣- الاختبارات التصويرية والمخبرية

١- التحاليل المخبرية

يتم اجراء بعض الفحوص والاختبارات لعينات من دم المصاب وذلك للبحث عن علامات تتماشى مع العدوى الفيروسية من جهة. ولتقييم وجود عدوى جرثومية مرافقة مثلاً من جهة أخرى. بالإضافة للتحقق من الحالة العامة لعمل ووظيفة أعضاء الجسم المختلفة والتي يمكن تقييمها من خلال نتائج اختبارات الدم.

٢- اجراء صورة صدر شعاعية بسيطة "chest x-ray"

تفيد هذه الصورة في تقييم الرئتين والقصبات والقصيبات، حيث يمكن من خلالها تمييز علامات ذات الرئة على سبيل المثال والتهاب القصيبات والتي تتوافق مع الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي.

٣- المسحة واختبار "PCR"

يعتمد هذا الاختبار على تحديد وجود الفيروس المخلوي التنفسي من خلال رصد مادته الوراثية في مفرزات المريض أو في الطرق التنفسية.

حيث يتم أخذ عينة من داخل أنف المصاب أو بلعومه وأحياناً مفرزات السعال وارسالها للفحص، ومن ثم يتم اخضاعها لسلسة من التفاعلات والاختبارات التي تحدد وجود المادة الوراثية الخاصة بالفيروس وتشخيص وجوده بشكل مؤكد.

ولكن تكمن العقبة في هذا الاختبار بأنه قد لا يكون متاح في كل الأماكن أو المراكز الطبية وهذا يجعل استخدامه محدوداً في بعض الأماكن ومقتصر على الحالات الشديدة من الإصابة.

علاج الفيروس المخلوي التنفسي

لا يوجد علاج نوعي أو دواء محدد خاص بعلاج الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي، بل يقتصر على تخفيف الأعراض وشدتها وتقديم العلاج الداعم والذي يريح المصاب ويحسن حالته العامة ويسرع من شفاءه.

تتراجع الإصابة في أغلب الحالات بعد أسبوع حتى عشرة أيام، ويمكن تقديم العلاجات الداعمة التالية:

  • الراحة في السرير
  • الحصول على كميات كافية من السوائل
  • استعمال المسكنات وخافضات الحرارة في حالات الحمى كدواء الباراسيتامول والإيبوبروفين. يجب التنويه إلى أن استعمال الأسبرين ممنوع بتاتاً للأطفال حيث قد يساهم بحدوث متلازمة راي.
  • لا تفيد الصادات الحيوية في علاج الفيروس المخلوي التنفسي لكن يمكن وصفها في الحالات التي يحدث فيها عدوى جرثومية مرافقة للعدوى الفيروسية.
  • يمكن في الحالات الخطيرة وخصوصاً الرضع الذين يحملون عوامل خطر عالية في حال الإصابة بالعدوى استعمال دواء يدعى بالفيزماب (Palivizumab) وهو عبارة عن دواء مثبط وكابح لانقسام وتكاثر الفيروس المخلوي التنفسي. بالتالي يؤدي لتثبيط انتشار الفيروس وتطوره وتطور الأعراض عند الطفل المصاب وتقليل احتمالية حدوث المضاعفات الخطيرة عند الطفل

طرق الوقاية من الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي

يعتمد مبدأ الوقاية عل تجنب التقاط العدوى والفيروسات سواء من المصابين أو الوسط المحيط من خلال اتباع الخطوات التالية:

  • تجنب الاقتراب من الرضع والأطفال وتقبيلهم في حال إصابة الطفل أو البالغ بأي أعراض تنفسية مثل السيلان والعطاس وغيرها.
  • تنظيف وتعقيم السطوح بشكل منتظم في المنزل كالطاولات ومقابض الأبواب.
  • الامتناع عن التدخين بجوار الأطفال الرضع أو وضعهم في جو يحوي دخان كثيف.
  • عزل الطفل أو البالغ المصاب بالأعراض عن الوسط المحيط سواء الخارجي أو الداخلي ضمن المنزل.
  • غسل اليدين بشكل منتظم قبل وبعد التعامل مع الطفل أو المصاب بالأعراض.
  • يجب الحذر مع الأطفال أصحاب الخطورة العالية للإصابة وتجنب وضعهم في أماكن مزدحمة.

لقاح الفيروس المخلوي التنفسي

تم في مطلع شهر نوفمبر عام 2022 تقديم بيانات من شركة فايزر (Pfizer) المتخصصة بإنتاج وتطوير اللقاحات، حيث قامت بتركيب لقاح خاص بالفيروس المخلوي التنفسي ودخل مرحلة التجارب السريرية. وهو حالياً في المرحلة الثالثة من التجارب على اللقاح وهي المرحلة التي تسبق الحصول على الترخيص النهائي بسلامة اللقاح واستخدامه بشكل أمن.

تتضمن هذه المرحلة من تجارب اللقاح إعطاء اللقاح لعينة عشوائية كبيرة من الأشخاص وتقييم الاستجابة والفائدة التي سيقدمها اللقاح. وفي حالة لقاح الفيروس المخلوي التنفسي تم تطبيق اللقاح على النساء الحوامل في نهاية الثلث الثاني وبداية الثلث الثالث من فترة الحمل، والهدف هو تحريض صنع أجسام مضادة للفيروس في جسم الأم والتي تنتقل بدورها للجنين في الرحم وتوفر له الحماية من الإصابة الخطيرة للفيروس خلال المراحل الأولى من حياته وتحديداً في الشهور الثلاث الأولى.

قامت الشركة المصنعة بهذه التجارب وكانت النتائج إيجابية حيث تضمنت ما يلي:

  • فعالية اللقاح وصلت 81.8 % في الوقاية من الإصابة الشديدة والحادة بالفيروس المخلوي التنفسي عند حديثي الولادة خلال 90 يوماً بعد الولادة.
  • فعالية اللقاح بلغت 69.4 % في الوقاية حتى عمر 6 أشهر عند الأطفال.
  • لم تجد المتابعات السريرية والطبية أي عوامل خطورة صحية متعلقة بسلامة المرأة الحامل والجنين قد تنجم عن أخذ اللقاح.

تظهر هذه النتائج دلائل جيدة على فعالية اللقاح ومطابقته للمعايير المعتمدة في السلامة لكن يبقى الأمر حالياً للدراسة والبحث أكثر والتأكد من السلامة والأمان الكامل للقاح مع النتائج الجيدة قبل إعطاء الموافقة بإنتاجه.

في الختام وعلى الرغم من أن معظم حالات الفيروس المخلوي التنفسي هي حالات خفيفة إلى متوسطة وتشفى وتتراجع بشكل عفوي إلا أنه لا بد من الحذر وتجنب نقل العدوى خصوصاً للأطفال في المرحلة الباكرة بعد الولادة لتجنب حصول الاختلاطات الخطيرة للإصابة.