الخثار الوريدي العميق: الأسباب والعلاج

الكاتب - 24 أكتوبر 2023

الأوردة هي جزء من الجهاز القلبي والوعائي في الجسم، وتعمل على نقل الدم الفقير بالأكسجين من مختلف مناطق الجسم إلى القلب لإعادة تزويده بالأكسجين، بالتالي فعند حدوث أي اضطراب أو خلل يعيق أو يعرقل وظيفة الأوردة في نقل هذا الدم، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في العضو الذي يتغذى عبر الوريد المتضرر. وحالة الخثار الوريدي العميق هي إحدى الحالات التي يحدث فيها خلل في عمل الأوردة، فما هي هذه الحالة وما أسبابها وكيف يتم علاجها؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.

ما هو الخثار الوريدي العميق؟

تحدث حالة الخثار الوريدي العميق "Deep Vein Thrombosis" واختصاراً "DVT" عند تشكل خثرة دموية (جلطة) في واحدة أو أكثر من الأوردة العميقة في الجسم.

والمقصود بالأوردة العميقة هي الأوردة ذات القطر الكبير والتي تقع داخل الأنسجة والأعضاء بعيداً عن الجلد والنسيج تحت الجلد الذي يحوي عادةً أوردة سطحية صغيرة القطر.

يصيب الخثار الوريدي العميق أي وريد في الجسم لكنه أكثر شيوعاً في الأوردة في الطرفين السفليين. مثل الساق والفخذ وحتى منطقة الحوض، كما يمكن أن يصيب الطرفين العلويين أيضا.

تسبب الجلطة أو الخثرة المتشكلة ضمن الوريد عرقلة أو إيقاف لعودة الدم من الطرف المصاب. وهذا يسبب تراكم واحتباس للدم في هذه المنطقة، مما يؤدي لتطور الألم مع الوقت وحدوث وذمة وتورم في الطرف وغيرها من الأعراض الأخرى.

تعد حالة الخثار الوريدي العميق حالة شائعة نسبياً، ووفقاً لإحدى الإحصائيات فإن معدل حدوث هذه الحالة هي حالة واحدة في كل 1000 شخص من السكان. (1)

أسباب وعوامل خطر الإصابة

يمكن أن يصيب الخثار الوريدي العميق أي شخص في أي مرحلة من حياته، وعلى الرغم من عدم وجود سبب واضح ومحدد لتطور الإصابة، إلا أن هنالك مجموعة من العوامل والظروف التي تزيد من خطر الإصابة وتسرع من معدل تطورها عند الأشخاص الذين يتعرضون لهذه العوامل أو يعانون منها. حيث يرتفع خطر الإصابة بهذه الحالة في حال اجتمع لدى الفرد أكثر من عامل خطورة، وتشمل عوامل الخطورة بشكل عام ما يلي:

١- إصابات ورضوض الأوردة

حيث تحرض الإصابات الرضية في مناطق تواجد الأوردة على تطور الخثار الوريدي العميق وذلك بفعل أذية الوريد بفعل هذه الإصابات، والتي يمكن أن تحدث بسبب:

  • الكسور العظمية
  • التمزقات والاصابات العضلية الشديدة
  • العمليات الجراحية الكبيرة

٢- بطء وضعف جريان الدم في الأوردة

يؤدي الجريان الضعيف للدم ضمن الأوردة لحدوث ركودة للدم وتجمع ضمن لمعة الوريد. ويحرض هذا التجمع الدموي لفترة طويلة دون نقله باتجاه القلب على عملية التخثر ضمن الخلايا الدموية بالتالي يؤدي لتشكيل خثرات وجلطات تحدث الخثار الوريدي العميق.

يحدث بطء الجريان في الأوردة لعدة أسباب تشمل:

  • الحركة المحدودة بفعل وجود إصابة أخرى تعيق الحركة كالكسور مثلاُ.
  • الالتزام بفترة راحة مطولة بالفراش كما يحدث في الحالات المرضية أو بعد الجراحات الكبرى.
  • الجلوس لفترات طويلة بفعل طبيعة العمل وعدم ممارسة أي نشاط بدني.

٣- ارتفاع مستويات الاستروجين في الجسم

يرتبط ارتفاع تركيز هرمون الاستروجين عند النساء بتطور الخثار الوريدي العميق لديهن. حيث يمكن أن يرتفع هرمون الاستروجين في الحالات التالية:

  • الحمل والأشهر الثلاث الأولى بعد الولادة.
  • الاستخدام المتكرر والمطول لحبوب منع الحمل.
  • العلاجات الهرمونية التي يمكن أن تعطى للنساء بعد سن اليأس.

٤- بعض الأمراض والحالات الطبية

تترافق الإصابة ببعض الأمراض والاضطرابات بارتفاع نسبة حدوث الخثار الوريدي العميق عند المصابين بهذه الأمراض والتي تشمل بشكل عام:

  • أمراض القلب والشرايين
  • الأمراض الرئوية
  • الأمراض المناعية
  • السرطان
  • أمراض الدم واضطرابات تخثر الدم

٥- العمر

يرتفع خطر تطور هذه الحالة مع التقدم بالعمر. يعود ذلك غالباً لفقدان الأوعية الدموية لمرونتها مع التقدم بالعمر، بالإضافة إلى وجود الأمراض المزمنة التي يزداد خطر الإصابة بها مع التقدم بالعمر.

٦- البدانة

تسبب البدانة وزيادة الوزن ضغط إضافي على الأوردة وعملها، كما تسبب زيادة مستوى ركودة الدم وضعف الجريان في الأوردة مما يحرض حدوث الخثار الوريدي العميق عند المرضى البدينين.

٧- العوامل الوراثية

إن وجود سوابق للإصابة بالخثار الوريدي العميق عند أفراد العائلة يرفع من احتمال تكرر وحدوث الإصابة عند الأبناء.

الأعراض المرافقة لحالة الخثار الوريدي العميق

لا تظهر أعراض الإصابة بالخثار الوريدي العميق عند كل المرضى، حيث أن نسبة لا بأس بها من المرضى يكونون لا عرضيين. وبالنسبة لمن يعانون من أعراض فالأعراض تختلف في الشكل والشدة حسب المنطقة المتشكل الخثار فيها. وتشمل بشكل عام الأعراض المرافقة لحالة الخثار ما يلي:

  • حدوث تورم ووذمة في الساق أو الذراع بشكل مفاجئ ودون انذار، حيث يصبح الجلد والانسجة في الطرف المصاب متورمة ويلاحظ تمدد في حجمه.
  • الألم والانزعاج عند الوقوف على الطرف المصاب أو تحريكه.
  • الإحساس بارتفاع حرارة موضعي ومزعج في المنطقة المصابة.
  • حدوث احمرار في الجلد في المنطقة.
  • ملاحظة توسع وظهور واضح للأوردة السطحية في منطقة الإصابة.

في بعض الحالات لا تظهر أي أعراض للخثار الوريدي العميق ويكون التظاهر الأول للمرض هو حدوث مضاعفة خطيرة تدعى بالصمة الرئوية "Pulmonary Embolism". وهي عبارة عن انتقال خثرة دموية أو مجموعة من الخثرات عبر مسار الأوردة وصولاً للقلب. ومن ثم يقوم القلب وتحديداً البطين الأيمن بضخ هذه الخثرة ودفعها باتجاه الرئة لتسبب الخثرة الدموية انسداداً في وعاء أو أكثر من الأوعية الرئوية، بالتالي تحدث حالة تدعى بالصمة الرئوية.

تسبب الصمة الرئوية انقطاعاً لوصول الدم نحو الحويصلات الرئوية التي تزوده بالأوكسجين. وهذا الأمر يسبب اضطراب في عملية تزويد الدم بالأكسجين. ويعتبر هذا أمراً خطيراً خاصةً في حال كانت الصمة كبيرة وهناك أكثر من وعاء مغلق. حيث سيؤثر هذا الأمر على القلب أولاً وعلى الجسم بشكل عام لأنه سيقلل وصول الأكسجين عبر الدم للأعضاء وهذا أمر قد يكون مهدد للحياة.

وتشمل أعراض وعلامات الصمة الرئوية ما يلي:

  • ضيق تنفس وزلة تنفسية.
  • الإحساس بألم في الصدر يزداد عند التنفس.
  • تسرع ضربات القلب.
  • تحرض لسعال مصحوب بالدم.

ووفقاً للدراسات فإن جوالي 50% من مرضى الخثار الوريدي العميق لا يشكون من أعراض واضحة وتكون الوذمة في الطرف المصاب هي العرض الأكثر وضوحاً، في حين أن حوالي 50% يشكون من الألم في الطرف. (2)

التشخيص

يتم تشخيص وجود الخثار الوريدي العميق من خلال مجموعة خطوات تشمل:

١- القصة المرضية والفحص السريري

يستعرض الطبيب الأعراض التي تشمل عادة حدوث التورم والألم في الطرف، ومن ثم يفحص الطرف المصاب وحالة الجسم بشكل عام. كما يسأل المريض عن وجود أمراض مزمنة أو عوامل خطر قد ترفع نسبة الإصابة بالخثار الوريدي العميق.

٢- التحاليل المخبرية

يتم اجراء مجموعة من الفحوص المخبرية لعينات من الدم من أجل أخذ فكرة واضحة عن حالة الجسم وعمل اعضائه. كالتحقق من الخضاب ونسب كريات الدم، بالإضافة إلى التحقق من وظائف الكلى والكبد، وأيضا يتم اجراء اختبارات التخثر في الدم لكشف وجود اضطراب في عملية التخثر.

بالإضافة إلى ذلك يتم إجراء فحص دم نوعي لتحديد الخثرات الموجودة في الدم يعرف باسم فحص دي- دايمر"D-dimer"، ومهمته معايرة قطع الخثرات الدموية المنتشرة والمتحركة بحرية في مجرى الدم، وكل ما ارتفعت قيمة هذا التحليل كلما كان احتمال وجود خثرات في الأوردة أعلى.

يستخدم هذا الفحص الدموي كإجراء متمم مع الفحوص الأخرى لأن قيمته يمكن أن تضطرب في حالات مرضية أخرى.

٣- التصوير بالأمواج فوق الصوتية "Ultrasound"

يتم استخدام جهاز التصوير بالأمواج فوق الصوتية لتحديد وجود الخثرات في الأوردة. حيث يمكن من خلال الجهاز والخصائص التي يملكها متابعة جريان الدم ضمن الوريد أو الشريان وتحديد سرعة جريان الدم وتدفقه ضمن لمعة الوعاء. وبهذا يمكن تحديد مكان الركودة والانقطاع في الجريان الدموي ووجود الخثار الوريدي العميق، تدعى هذه الخاصية بالدوبلر "Doppler".

٤- تصوير الأوردة الظليل "Venogram"

هذا الاجراء مشابه لتصوير الشرايين الظليل، حيث يشمل الدخول عن طريق قثطرة إلى الوريد المشكوك بوجود الخثار فيه ومن ثم حقن مادة صبغية ظليلة على الاشعة السينية، ومن ثم يتم من خلال جهاز الأشعة مراقبة انتشار هذه المادة الظليلة في الوريد وتحديد أماكن الانقطاع والخثار في حال وجوده.

علاج الخثار الوريدي العميق

تعتبر حالة الخثار الوريدي العميق حالة قابلة للشفاء ويمكن السيطرة على تطور الحالة، حيث يعتمد مبدأ علاج الخثار الوريدي العميق على منع تطور واستمرار الخثرات بالإضافة إلى تجنب المضاعفات وتحرك الخثرات نحو أعضاء الجسم. وتتلخص طرق العلاة بالتالي:

١- العلاج الدوائي

يعد العلاج الدوائي المعتمد على مميعات الدم ومانعات التخثر هو العلاج الرئيسي والأكثر شيوعاً لحالات الخثار الوريدي العميق. هذه المجموعات الدوائية تعمل على منع تفاقم واستمرار تشكل الخثرات في الأوردة من جهة من خلال تعطيل عملية التخثر، كما تحرض عملية حل وتفكيك الخثرة الدموية ضمن الوريد لإزالة الانسداد منه وعودة جريان الدم للوضع الطبيعي.

من أدوية مميعات الدم نذكر:

  • وارفارين "Warfarin": يعمل على تثبيط عمل الفيتامين K الذي يلعب دوراً في عملية التخثر. يستخدم على نطاق واسع لمنع تكوين الجلطات وعلاج الخثرة.
  • هيبارين "Heparin": يحقن بشكل مباشر في الوريد أو تحت الجلد ويعمل بشكل سريع لمنع تكوين الجلطات.
  • الأبريكسابان "Apixaban": هذا من فئة الأمينوبنزويكسابان ويستخدم للحد من تكوين الجلطات في الأوعية الدموية.

من أدوية مانعات التخثر نذكر:

  • الأسبرين "Aspirin": يعمل على تثبيط وظيفة الصفائح الدموية، ويستخدم على نطاق واسع لمنع تكوين الجلطات في الشرايين.
  • كلوبيدوجريل "Clopidogrel": يعتبر من مانعات التخثر ويستخدم للحد من خطر نوبات القلب والسكتات الدماغية.
  • براسوغريل "Prasugrel": يمنع تكوين الجلطات ويستخدم بشكل خاص للمرضى الذين يخضعون لإجراءات تداخلية في القلب.

يوصى بعلاج مضاد التخثر لمدة تتراوح بين 3-12 شهراً وذلك حسب موقع تكوين الجلطة واستمرار وجود عوامل الخطر. إذا عادت جلطة الوريد العميق أو كان هنالك مضاعفات تهدد الحياة، فقد يتم توصية بعلاج مضاد للتخثر مدى الحياة.

٢- الأربطة الضاغطة

يتم صنع هذه الأربطة من خيوط وأنسجة خاصة ذات بنية مرنة ومطاطية متينة. ويتم وضع هذه الأربطة على الطرف المصاب وتكون مهمتها تطبيق ضغط جيد على منطقة الوريد المصاب. والهدف من هذا الضغط هو منع تجمع الدم وتراكمه ضمن الوريد وتحريض حركته باتجاه القلب. وهو أمر يساهم في التخفيف من أعراض الخثار الوريدي العميق ومنع تكراره.

٣- مصفاة الوريد الأجوف السفلي

يتم استخدام مصفاة الوريد الأجوف السفلي "Inferior Vena Cava Filter" في الحالات التي لا تتجاوب مع العلاج الدوائي أو الحالات المتكررة بكثرة. ويتضمن هذا العلاج وضع قطعة تشبه المصفاة قمعية الشكل ضمن الوريد الأجوف السفلي الذي هو أكبر الوريد الأكبر في الجسم.

يستقبل الوريد الأجوف السفلي الدم الوريدي من معظم أنحاء الجسم ومن ثم يصب في القلب، بالتالي وضع هذه المصفاة ضمنه يقي من وصول الخثرات والجلطات الدموية التي تأتي من الأوردة المصابة، حيث تلتقط هذه المصفاة الخثرات وبذلك يتم وقاية المريض من تطور الصمة الرئوية لديه.

الوقاية

يمكن من خلال اتباع بعض القواعد الصحية وتغيير بعض العادات اليومية الخاطئة خفض خطورة الإصابة بالخثار الوريدي العميق، وتتضمن خطوات الوقاية ما يلي:

  • ممارسة تمارين رياضية وجهد بدني منتظم كالمشي اليومي.
  • الحفاظ على الوزن.
  • الحصول على كميات كافية من السوائل.
  • تجنب الجلوس المطول لفترات طويلة، حيث ينصح بالحركة قليلاً بعد كل ساعة جلوس.
  • تجنب التدخين وتناول الكحول.