ابيضاض الدم النقوي المزمن: الأعراض والأسباب

الكاتب - أخر تحديث 21 أغسطس 2023

سرطان الدم أو اللوكيميا هي حالة ورمية أو سرطانية تصيب الأنسجة المكونة للدم الموجودة في نقي العظام وتسبب خلل واضطراب في انتاج خلايا الدم المختلفة. وتقسم حالة سرطان الدم إلى أنواع وأنماط مختلفة بحسب نوع الخلايا المصابة. ويعد ابيضاض الدم النقوي المزمن أحد هذه الأنواع السرطانية وهو ما سنتحدث عنه في هذا المقال.

تعريف ابيضاض الادم النقوي المزمن

يعرف ابيضاض الدم النقوي المزمن "Chronic Myeloid Leukaemia" بأنه نوع من السرطانات التي تصيب الأنسجة والخلايا المكونة للدم المتوضعة في نقي العظام (جوف العظم).

تؤثر هذه الحالة على نوع معين من الخلايا الجذعية المكونة للدم. وهي الخلايا الجذعية النخاعية والتي تنتج كريات الدم البيضاء إضافة للكريات الحمراء والصفيحات الدموية.

تنتج خلايا الدم في الحالة الطبيعية من خلايا جذعية موجودة في نقي العظام "Bone Marrow". تقسم هذه الخلايا الجذعية إلى نوعين أساسيين كل نوع يكون مسؤول عن انتاج نوع أو عدة أنواع من خلايا الدم. هذان النوعان هما:

  • الخلايا الجذعية النخاعية "Myeloid stem cell": تنتج هذه الخلايا الجذعية خلايا تعرف باسم الأرومات النخاعية ومن ثم تتطور هذه الأرومات وتتمايز لتشكل إما كريات دم بيضاء وتحديداً كريات الدم البيضاء المحببة "Granulocytes" أو تشكل كريات الدم الحمراء أو تصبح صفيحات دموية.
  • الخلايا الجذعية اللمفاوية "Lymphocyte stem cells": تنتج هذه الخلايا الجذعية كريات الدم البيضاء اللمفاوية تحديداً.

وعند الإصابة بابيضاض الدم النقوي المزمن تصاب الخلايا الجذعية النخاعية بشذوذ واضطراب في المادة الوراثية. ونتيجة لذلك تنتج الخلايا الجذعية النخاعية بشكل خارج عن السيطرة كميات كبيرة من الكريات البيضاء المحببة. والتي تكون غير طبيعية تماماً أو ناضجة بالشكل الأمثل لأداء وظيفتها.

تتراكم هذه الكريات البيضاء في نقي العظام بداية وتؤثر على انتاج بقية خلايا وعناصر الدم، ومن ثم يمكن أن تنتشر لبقية أعضاء الجسم لتسبب حدوث الأعراض الأخرى.

سميت هذه الحالة بابيضاض الدم النقوي المزمن لأنها تتطور ببطء وعلى مدة زمنية طويلة قبل ظهور الأعراض. كما أنها غالباً ما تصيب وتشخص عند كبار السن بعد عمر 65 سنة. والسبب الآخر لتسميتها هكذا هو لتمييزها عن حالة ورمية مماثلة تدعى بابيضاض الدم النقوي الحاد "AML" والتي تصيب أيضا الخلايا الجذعية المكونة للكريات البيضاء في نقي العظام لكنها تتطور بسرعة خلال أسابيع وتظهر في عمر مبكر نسبياً.

ووفقاً لإحصائيات جمعية السرطان الأميركية فإن ابيضاض الدم النقوي المزمن يشكل 15% من حالات سرطان الدم.

أسباب حدوث ابيضاض الدم النقوي المزمن

تكون آلية الإصابة وتطور ابيضاض الدم النقوي المزمن هو حدوث خلل وشذوذ في المادة الوراثية والصبغيات الموجودة ضمن الخلايا الجذعية النخاعية بشكل رئيسي. وهي التي تنتج الكريات البيضاء المحببة وخلايا الدم الأخرى ما عدا الخلايا اللمفاوية.

هذه الطفرة أو الشذوذ في المادة الوراثية هي طفرة مكتسبة. ويعني ذلك أنها لا تنتقل بالوراثة من أحد الأبوين ولا يولد الشخص يحمل هذا الخلل. بل هذا التبدل والخلل في المادة الوراثية يحصل بشكل مفاجئ خلال مراحل الحياة. والسبب المباشر لحدوثه غير معروف حتى الآن ولكن المعروف هو أن المرض يبدأ مع هذا الشذوذ في الطفرة.

تشكل المادة الوراثية والتي هي عبارة عن الصبغيات خزان المعلومات والمنظم الأساسي لكل عمليات الخلايا. حيث تحمل هذه الصبغيات المورثات التي تعطي لكل خلية شكلها ووظيفتها وتنظم طريقة عملها وتكاثرها. بالتالي فإن أي خلل يصيب الصبغيات ويؤثر على ترتيبها وتنسيق المورثات فيها سينعكس على الخلية مباشرة ويسبب اضطراباً فيها وعملها الطبيعي.

تحمل الخلايا في جسم الأنسان 23 زوجاً من الصبغيات تحمل المورثات. هذه الصبغيات تكون ذات ترتيب وتنظيم معين مشترك في خلايا الجسم جميعها. وفي حالة ابيضاض الدم النقوي المزمن يحصل تبدل في هذا الترتيب. حيث تنفصل قطعة من الصبغي رقم 9 وتلتحم مع قطعة أخرى من الصبغي 22 ليتشكل صبغي جديد يحمل مورثات جديدة يدعى هذا الصبغي بصبغي فيلاديلفيا "Philadelphia chromosome".

 يكون صبغي فيلاديلفيا موجوداً في 90% من خلايا الدم عند المرضى المصابين بابيضاض الدم النقوي المزمن. وينتج هذا الصبغي مورثة جديدة تدعى (BCR-ABL). تسبب هذه المورثة الطافرة انتاج مادة بروتينية تعرف بالتيروزين كيناز "Tyrosine kinase". وهي تحرض هذه المادة الخلايا الجذعية الموجودة في نقي العظام على انتاج كميات كبيرة من كريات الدم البيضاء بشكل خارج عن السيطرة وهنا يبدأ مرض ابيضاض الدم النقوي المزمن.

عوامل الخطورة

على الرغم من عدم وجود سبب مباشر لتطور ابيضاض الدم النقوي المزمن إلا أنه يوجد عدة عوامل خطر ترفع نسبة الإصابة به، وتشمل هذه العوامل:

  • الذكور: حيث وجد أن الذكور أكثر عرضة للإصابة بابيضاض الدم النقوي المزمن مقارنة بالنساء.
  • العمر المتقدم: يرتفع خطر الإصابة مع التقدم بالعمر.
  • التعرض المتكرر للإشعاعات: كما في حالة العاملين في مجال التصوير الشعاعي أو المحطات النووية مثلا.

الأعراض المرافقة لحالة ابيضاض الدم النقوي المزمن 

لا يسبب ابيضاض الدم النقوي المزمن أي أعراض في المراحل الباكرة للإصابة، حيث أن هذه الإصابة تتطور ببطء دون أن تؤثر على حياة الشخص الطبيعية.

وفي كثير من الحالات تكشف حالة ابيضاض الدم النقوي المزمن عن طريق الصدفة، حيث يكون المصاب يراجع المشفى أو الطبيب لسبب أخر ويتم ملاحظة الإصابة من خلال الفحص والتحاليل المخبرية.

ولكن مع مرور الوقت وتطور الإصابة تبدأ بعض الأعراض بالظهور وتكون متعلقة بزيادة انتاج كريات الدم البيضاء غير الطبيعية وانتشارها في الجسم. إضافة لنقص بقية عناصر وخلايا الدم بفعل التكاثر الورمي لكريات الدم البيضاء على حساب بقية الخلايا.

وتشمل أكثر الاعراض شيوعاً ما يلي:

  • التعب والوهن
  • خسارة الوزن
  • التعرق الليلي غير المفسر
  • الشحوب في الجلد والأغشية المخاطية نتيجة نقص تعداد الكريات الحمراء
  • تكرار الإصابة بالعدوى والانتانات الجرثومية والفيروسية بسبب اضطراب عمل الكريات البيضاء
  • الحمى المتكررة
  • حدوث نزف غزير عند أي جرح مع صعوبة في إيقاف النزف نتيجة قلة عدد الصفيحات الدموية
  • ظهور الكدمات عند أقل رض
  • آلام في العظام والمفاصل

مراحل الإصابة

يصنف ابيضاض الدم النقوي المزمن إلى عدة مراحل وذلك اعتماداً على نسبة الأرومات النخاعية "Blasts cells" الشاذة وغير الناضجة الموجودة في نقي العظام أو الدم، وهي الخلايا الأولية التي تنتجها الخلايا الجذعية النخاعية قبل تحولها لكريات دم بيضاء أو حمراء.

وتشمل مراحل الإصابة بابيضاض الدم النقوي المزمن ما يلي:

١- المرحلة المزمنة (Chronic Phase)

هي المرحلة الأولى من المرض وتكون فيها نسبة الخلايا الأرومية غير الناضجة أقل من 10% في الدم ونقي العظام، تكون هذه المرحلة عادة بدون أعراض أو أعراض خفيفة وتستجيب بشكل جيد على العلاج.

٢- المرحلة المتسارعة (Accelerated Phase)

خلال هذه المرحلة ترتفع نسبة الخلايا الأرومية الشاذة وغير الناضجة في الدم ونقي العظم لتصبح فوق 10% لكنها لا تتجاوز 20%.

قد يعاني المصاب في هذه المرحلة من الحمى المتكررة، وفقدان الشهية، وفقدان الوزن.

٣- المرحلة الأرومية (Blast Phase)

هذه المرحلة هي الأخيرة وفيها تكون نسبة الخلايا الأرومية الشاذة والورمية تجاوزت 20% في نقي العظم. ووفي هذه المرحلة غالباً تنتشر الخلايا الأرومية خارج نقي العظم وتوزعها في انحاء الجسم. ويسبب هذا الأمر ظهور أعراض التعب والوهن، والكدمات، والنزيف، وحتى ضخامة الطحال.

طرق تشخيص ابيضاض الدم النقوي المزمن

يعتمد تشخيص ابيضاض الدم النقوي المزمن على عدة إجراءات تتكامل مع بعضها لوضع التشخيص وتحديد مرحلة الابيضاض النقوي، وذلك لتقرير العلاج الأمثل حسب كل حالة.

وتشمل إجراءات وطرق تشخيص ابيضاض الدم النقوي المزمن ما يلي:

١- القصة المرضية والفحص السريري

تتضمن اجراء استجواب واستقصاء كامل عن المريض واعراضه مثل معرفة ما هي الأعراض، متى بدأت، وكيف تطورت، إضافة للسؤال عن وجود امراض مزمنة أو علاجات يأخذها المريض على مدى طويل.

بعدها يتم اجراء فحص عام للجسم واجهزته لتقييم الوضع الصحي للمريض.

٢- اجراء تحاليل مخبرية للدم

أهم هذه التحاليل هو تعداد الدم الكامل ويعرف اختصاراً (CBC) وفيه يتم تحليل عينة من دم المريض بواسطة جهاز خاص، يعطينا هذا التحليل العدد والنسبة لكل نوع من أنواع خلايا الدم، تعداد الكريات الحمراء، تعداد جميع أنواع الكريات البيضاء ونسبة كل نوع منها، إضافة لعدد الصفيحات.

بالتالي يفيد هذا التحليل بإعطاء فكرة واضحة عن الوضع الدموي عند المريض ويتم رصد التغيرات في هذا التحليل المترافقة مع حالة ابيضاض الدم النقوي المزمن والتي غالباً ما تظهر من خلال زيادة ملحوظة في تعداد الكريات البيضاء المحببة على حساب باقي خلايا الدم.

إضافة لتعداد الدم الكامل تجرى بعض التحاليل المخبرية الإضافية لمعاينة عمل بقية الأعضاء في الجسم وأخذ فكرة واضحة عنها مثل تحري وظائف الكبد والكليتين وغيرها.

٣- خزعة نقي العظم

اجراء يتم فيه الحصول على عينة من نسيج وخلايا نقي العظم ومن ثم فحص هذه العينة والخلايا في المختبر وتحت المجهر لتحري وجود الخلايا الشاذة والورمية ووضع التشخيص بوجود ابيضاض دم نقوي مزمن.

تجرى الخزعة من خلال ادخال ابرة كبيرة نسبياً في نقي العظم وغالباً ما تكون من عظم الحرقفة (أحد عظام الحوض).

٤- التحليل الوراثي الخلوي

يتم في المخبر تحليل الصبغيات الموجودة في الدم أو نقي العظم، حيث يتم الحصول على عينة من الدم أو نقي العظم ومن ثم فحص الخلايا واجراء عملية استقصاء للصبغيات الموجودة في نواة هذه الخلايا.

يتم التحقق من عدد هذه الصبغيات، ومن ثم البحث عن وجود نقص في أحد الصبغيات أو زيادة، أو وجود صبغي جديد غير موجود سابقاً، أو وجود تبدل في بنية الصبغيات.

يفيد هذا الاختبار في حالة ابيضاض الدم النقوي المزمن في تحديد وجود صبغي فيلاديلفيا المرتبط بحدوث الابيضاض المزمن.

٥- بعض الاختبارات الوراثية

يقوم مبدأ هذه الاختبارات على تحديد وجود الطفرات والتبدلات على مستوى المورثات والصبغيات، وذلك من خلال دراسة الخلايا الدموية وتطبيق بعض المواد المخبرية والكيميائية عليها والتي تحدد وجود الخلل في المورثات أو وجود مورثة غير طبيعية تسبب المرض.

نذكر من هذه الاختبارات على سبيل المثال تفاعل سلسلة البوليمراز العكسي (RT-PCR).

علاج ابيضاض الدم النقوي المزمن

يعتمد تقرير الخطة العلاجية لابيضاض الدم النقوي المزمن على عدة عوامل منها مرحلة المرض، حالة المريض العامة، شدة الأعراض وغيرها، ويترك القرار للطبيب المختص لتحديد النمط العلاجي المتبع لكل حالة، وغالباً ما يكون الطبيب المعالج هو طبيب مختص بأمراض الدم أو طبيب مختص بالأورام.

وتشمل العلاجات المتاحة لحالة ابيضاض الدم النقوي المزمن ما يلي:

١- زرع نقي العظم (Bone Marrow Transplant)

يتضمن هذا العلاج الحصول على نقي عظم سليم وغير حاوي على الخلايا الورمية الشاذة ونقله وزرعه في نقي عظام الشخص المريض. وذلك لاستبدال نسيج نقي العظم المصاب بآخر سليم بالتالي إيقاف الإنتاج الورمي للخلايا البيضاء والعودة لإنتاج كريات دم طبيعية.

يسبق هذه العملية عادة تطبيق علاج كيميائي أو شعاعي للقضاء قدر الإمكان على نسيج وخلايا نقي العظم الورمية عند المصاب وذلك للسماح لنقي العظم المزروع بالتكاثر وإنتاج كريات طبيعية وإيقاف تطور المرض.

٢- العلاج الكيميائي (Chemotherapy)

العلاج الكيميائي هو مواد دوائية ذات تركيب كيمائي خاص لديها القدرة على مهاجمة الخلايا الورمية والشاذة فقط والقضاء عليها دون التأثير على الأنسجة والخلايا الطبيعية في الجسم.

في حالة ابيضاض الدم النقوي المزمن تعمل هذه الأدوية على مهاجمة النسيج والخلايا المصابة في نقي العظم وتقليل عددها إضافة للقضاء على الكريات المريضة المنتشرة في الجسم.

٣- العلاج المناعي (Immunotherapy)

العلاج المناعي يعتمد على دعم وتحفيز وتقوية الجهاز المناعي الخاص للجسم. وذلك من خلال تعزيز قدرته على كشف وتحديد الخلايا الورمية والشاذة ومساعدته على القضاء على هذه الخلايا والتخلص منها.

٤- العلاج الموجه (Targeted therapy)

يستهدف هذا العلاج مواد كيميائية معينة والتي هي عبارة عن مواد بروتينية بشكل أساسي تنتجها الخلايا الورمية والشاذة. وتكون هذه المواد هي المسؤولة عن نمو وتكاثر وانتشار الخلايا الورمية.

تستهدف الأدوية المستخدمة في العلاج الموجه هذه المواد البروتينية وتتفاعل معها وتعطل عملها. وهذا ينعكس على تكاثر وانتشار وتطور الخلايا الورمية وينقصه بشكل كبير بالتالي يبطء من تطور المرض ويسمح بتحقيق السيطرة على المرض.

الملخص

ابيضاض الدم النقوي المزمن هو حالة سرطانية تصيب نقي العظام لكنها تتطور ببطء وهذا الأمر يجعلها حالة قابلة للتدبير والعلاج بشكل جيد.

ومع تطبيق العلاج الملائم فإن نسب النجاة والسيطرة على المرض تكون مرتفعة. حيث وفقاً للإحصائيات فإن معدلات النجاة والحياة لمدة خمس سنوات بعد تلقي العلاج يتجاوز 85% عند المرضى. ولكن يبقى التشخيص الباكر والمتابعة على العلاج مع الطبيب المختص هو مفتاح نجاح العلاج.