الأثر النفسي والعقلي للتوقف عن متابعة مواقع التواصل الاجتماعي

الكاتب - 16 يناير 2024

تُعد مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الأدوات شيوعاً في العصر الحديث، وتقدم العديد من الفوائد والإمكانات لمستخدميها. على سبيل المثال التواصل مع الآخرين ومشاركة المعلومات والأفكار، والوصول إلى الأخبار والترفيه. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط أو غير الصحي لمواقع التواصل الاجتماعي إلى عدد من الآثار السلبية على الصحة النفسية والعقلية.

في هذا المقال سوف نناقش الآثار النفسية والعقلية التي يمكن أن تحدث عن التوقف عن متابعة مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة لنصائح تساعد على تجاوز هذا الإدمان الرقمي الحديث.

لأن سلامتك تهمنا

تحدث مع طبيب

مواقع التواصل الاجتماعي والإدمان الرقمي

في السنوات الأخيرة زادت سهولة الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها وذلك بسبب انتشار الأجهزة الذكية في العالم وتوافر الانترنت والتطبيقات للجميع، ووفق أخر الإحصائيات فإن حوالي 60% من سكان العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا الوصول السهل وتوافر مواقع التواصل قدم العديد من الميزات المفيدة التي تتلخص بما يلي:

  • سهولة التواصل مع الأصدقاء والعائلة.
  • التعرف على مجتمعات جديدة وأصدقاء من بلدان أخرى.
  • حرية أكبر في التعبير عن الذات ومشاركة الأفكار.
  • المساهمة في تطوير الأعمال والتجارة.
  • الوصول السهل للمعلومات في مجالات مختلفة.

تقترن هذه الميزات لمواقع التواصل الاجتماعي بجانب مظلم أو غير معروف للجميع وهو بأن هذه المواقع والتطبيقات مصممة لالتقاط اهتمام وتركيز المستخدم قدر الإمكان. حيث تبقي الشخص على اتصال دائم بهاتفه ويتصفح هذه المواقع باستمرار بحثاً عن الأخبار والتحديثات والمنتجات وغيرها.

يسبب هذا التصفح المتكرر للمواقع واستخدام التطبيقات استهلاك للوقت من جهة وينعكس على الاستقرار النفسي والذهني للمستخدم من جهة أخرى. حيث يشعر الشخص بنوع من القلق والتوتر عند الانقطاع عن استخدام الهاتف. وهذا يشكل نوعاً من الارهاق النفسي والذهني ويرفع من خطر حدوث الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والشعور بالوحدة.

الإدمان الرقمي والمعروف أيضا باسم اضطراب استخدام الإنترنت أو اضطراب إدمان التكنولوجيا، هو مصطلح طبي يُستخدم لوصف حالة فقدان السيطرة على استخدام الأجهزة الرقمية، مما ينتج عنه مشاكل اجتماعية أو مهنية أو صحية.

الآثار السلبية

يمكن تلخيص التأثيرات السلبية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بما يلي:

١- الشعور بعدم الرضا

تسهم مواقع التواصل الاجتماعي في نشر صورة نمطية مثالية عن الحياة والسعادة، حيث تركز على نشر اللحظات السعيدة وصور الأشخاص في أفضل حالاتهم. هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى مقارنة مستخدمي هذه المواقع بحياتهم الخاصة بحيات الآخرين، مما يؤدي إلى انخفاض احترام الذات وشعورهم بعدم الملاءمة.

فعندما يشاهد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لأشخاص يبدون دائمًا سعداء وناجحين، قد يشعرون بأن حياتهم ليست على نفس المستوى. وقد يؤدي هذا إلى الشعور بالغيرة أو الإحساس بعدم الرضا عن الذات. كما قد يؤدي إلى الشعور بعدم الملاءمة فيما يتعلق بمظهر الجسم أو أسلوب الحياة.

٢- ظاهرة الخوف من خسارة التواصل وتأخر المعلومات

تُعرف ظاهرة الخوف من خسارة المعلومات والتأخر من الحصول على آخر التحديثات "FOMO" وهي اختصار "Fear Of Missing Out"بأنها حالة نفسية تدفع الشخص إلى الشعور بالقلق والتوتر في حال عدم قدرته على البقاء على اطلاع دائم بكل ما يحدث حوله. وقد يشمل هذا الأحداث المهمة أو التافهة، سواء كانت تتعلق بحياته الشخصية أو بالعالم المحيط به.

يشعر الأشخاص الذين يعانون من حالة "FOMO" بأنهم بحاجة إلى معرفة كل شيء على الفور، حتى لو لم تكن المعلومات ذات صلة بهم مباشرة. وقد يؤدي هذا إلى إدمانهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقضون ساعات طويلة في تصفح الأخبار والصور والتعليقات.

يمكن أن تؤدي ظاهرة "FOMO" إلى مجموعة من المشاكل النفسية، مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم. كما يمكن أن تؤدي إلى مشاكل في العلاقات الاجتماعية، حيث يجد الأشخاص الذين يعانون منها صعوبة في التركيز على التفاعلات الحقيقية مع الآخرين.

٣- العزلة

يرتبط الاستعمال المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي بزيادة الشعور بالوحدة والعزلة، حيث يميل الشخص للانسحاب من الحياة الاجتماعية الحقيقية وتجنب النشاطات مع العائلة والأصدقاء مفضلاً البقاء على هاتفه.

٤- القلق والاكتئاب

أظهرت الدراسات أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي مرتبط بزيادة مستويات القلق والاكتئاب. ويرجع ذلك إلى أن هذه المواقع يمكن أن تخلق شعوراً بالانعزال والوحدة، مما يؤدي إلى ظهور مشاعر سلبية مثل الحزن والاكتئاب.

يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي إلى ظهور أعراض الاكتئاب، والتي تشمل:

  • الشعور بالحزن والوحدة
  • فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تستمتع بها
  • صعوبة التركيز
  • التغيرات في الشهية أو النوم
  • الأفكار الانتحارية

كما يمكن أن تتأثر الصحة العقلية والنفسية للشخص وتبدأ علامات القلق والتوتر بالظهور عليه وهي تشمل أعراض مثل:

  • الشعور بالعصبية والتوتر
  • صعوبة التنفس
  • زيادة ضربات القلب
  • الشعور بالدوار
  • الشعور بالغثيان
٥- التعرض للتنمر الالكتروني

يعد التنمر الإلكتروني أحد أكثر الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي شيوعًا. ويحدث التنمر الإلكتروني عندما يقوم شخص أو مجموعة من الأشخاص بإرسال رسائل أو تعليقات مسيئة أو مهينة أو تهديدية إلى شخص آخر عبر الإنترنت.

يمكن أن يكون التنمر الإلكتروني موجهًا إلى أي شخص، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو العرق أو الخلفية الاجتماعية. ويمكن أن يكون التنمر الإلكتروني لفظياً أو جسدياً أو عاطفياً.

يمكن أن يؤدي التنمر الإلكتروني إلى مجموعة من الآثار السلبية على الضحية، مثل:

  • الشعور بالخوف والقلق والتوتر
  • انخفاض احترام الذات وتقدير الذات
  • مشاكل في النوم والتركيز
  • مشاكل اجتماعية وعاطفية
  • في بعض الحالات، قد يؤدي إلى الانتحار

علامات تشير إلى الإدمان الرقمي

لم يتم بعد إدراج الإدمان الرقمي في قائمة الاضطرابات العقلية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، ولكن هناك العديد من الدراسات العلمية التي تدعم وجوده كاضطراب حقيقي.

تشير هذه الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الإدمان الرقمي قد يختبرون الأعراض التالية:

  • الحاجة الشديدة لاستخدام الأجهزة الرقمية.
  • عدم القدرة على التحكم في استخدام الأجهزة الرقمية.
  • الاستمرار في استخدام الأجهزة الرقمية على الرغم من العواقب السلبية المعروفة بالنسبة لهم.
  • الانشغال بالتفكير في الأجهزة الرقمية في أي وقت.
  • إهمال الأنشطة والمسؤوليات المهمة.

علامات إدمان مواقع التواصل

إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وقضاء وقت من اليوم في تصفحها أمر لا مفر منه في الوقت الحالي وهذا أمر طبيعي للتكيف مع التطور التكنولوجي والحفاظ على التواصل مع الأخرين. ولكن في الحقيقة هناك مجموعة من العلامات التحذيرية التي تظهر مع الوقت ويمكن اعتبارها مؤشر للتأثير السلبي لمواقع التواصل على حياة الشخص وتتضمن هذه العلامات:

تحدث مع طبيب الآن

AvatarNew alerts
Avatar
Avatar
Avatar

+16 طبيب متواجد الآن

  • الاستمرار بالمقارنة بين حياة المستخدم وحياة الأشخاص الأخرين حتى لو كان لا يعرفهم بشكل مباشر.
  • تجنب التواصل المباشر مع الناس.
  • التشتت واستخدام مواقع التواصل خلال أوقات العمل، الدراسة، وحتى اثناء مجالسة الأصدقاء.
  • ملاحظة حدوث اضطراب في النوم.
  • القيام بأمور قد تكون خطيرة أو غير مناسبة ونشرها زيادة الشعور بالرضى وجذب الانتباه.
  • الشعور بالتوتر عند التغيب عن فتح مواقع التواصل الاجتماعي والخوف من عدم اللحاق بالأحداث والاخبار.

تؤثر الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على جميع الفئات العمرية، ولكن يمكن أن تكون هذه الآثار أكثر حدة في عمر المراهقة. وذلك لأن المراهقين في مرحلة من النمو والتغيير العاطفي والجسدي، وهم أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المراهقين أكثر عرضة لمقارنة أنفسهم بالآخرين، وخاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن أن يؤدي هذا إلى الشعور بالنقص وعدم الرضا عن الذات، مما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية وعاطفية.

إن اختبار أي من الأعراض السابقة هو دليل وعلامة تحذيرية للشخص للابتعاد عن الأجهزة الرقمية وأخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعية وإعادة ترتيب الأولويات في الحياة. وفي حال كان اتخاذ هذه الخطوات أمراً صعباً للشخص يمكن استشارة أخصائي وطلب المساعدة من المقربين منك.

نصائح للتخفيف من استعمال مواقع التواصل الاجتماعي

هناك مجموعة من الخطوات والنصائح التي يمكن تطبيقها في حال كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مبالغ فيه ويؤثر على المستخدم. والهدف من هذه الخطوات الابتعاد والتخفيف من الآثار الجانبية لمواقع التواصل الاجتماعي وإعادة الحياة النفسية والاجتماعية للشخص.

١- محاولة تحديد الوقت المستهلك في مواقع التواصل الاجتماعي

يُفضل مراقبة الوقت الذي يُخصص لاستخدام الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم العمل على تقليل هذا الوقت بشكل تدريجي.

يمكن بداية التحكم في ذلك عبر محاولة خفض نصف ساعة يومياً من الوقت المخصص للتفاعل على المنصات الرقمية، مع زيادة هذا الخصم تدريجياً. هذا النهج يمكن أن يساعد في تحسين التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على الصحة النفسية.

بالإضافة إلى ذلك يجب التركيز على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الأصدقاء والعائلة ومشاركة المعلومات المفيدة. وتجنب متابعة الأشخاص أو الصفحات التي تنشر محتوى سلبياً.

٢- وضع جدول زمني لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي

يسهم تنظيم وقت وساعات استعمال مواقع التواصل الاجتماعي في تخفيف آثارها الجانبية. كما ويمكن وضع جدول زمني يومي مثل استخدام كل تطبيق في وقت محدد فقط مرة يومياً أو مرتين وإيقاف استخدامه لباقي اليوم وهكذا.

كما يجب التنويه إلى أهمية توعية المراهقين إلى طلب الدعم والمساعدة من المختصين أو العائلة في حال شعروا بتأثيرات سلبية نفسية نتيجة استخدامهم مواقع التواصل.

٣- إيقاف الإشعارات والتنبيهات

تعتمد معظم تطبيقات التواصل الاجتماعي على مبدأ ارسال الاشعارات والتنبيهات للمستخدم لتبقيه متصل. بالتالي يكون من المفيد إيقاف الاشعارات خلال أوقات العمل أو الراحة للابتعاد عن التوتر والقلق الذي يصاحب الإشعارات وضرورة استعراض المواقع.

٤- إيقاف استخدام الأجهزة الرقمية قبل النوم

إن الأضواء والأشعة المرافقة لاستخدام تطبيقات مواقع التواصل تحرض اضطراب النوم من خلال تأثيرها على افراز مادة الميلاتونين (melatonin) التي تنظم الشعور بالنعاس. بالإضافة إلى ذلك فإن شعور الترقب والتوتر من خلال متابعة اخبار وتحديثات مواقع التواصل الاجتماعي.

لذلك يكون من المفيد الابتعاد عن استخدام الهاتف ومواقع التواصل قبل ساعتين من النوم وسطياً وذلك للحصول على نوم أفضل.

٥- زيادة النشاط الاجتماعي واللقاءات الواقعية

إن زيادة الأنشطة الاجتماعية مع الوسط المحيط كالأصدقاء والعائلة تساعد في التخفيف من الارتباط والتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي. حيث تمنح العلاقات الواقعية والأنشطة مثل القيام برحلات، والتطوع، والتركيز على التطور المهني وغيرها شعور بالرضى النفسي وحافز إضافي لا يمكن الحصول عليه بأي وسيلة أخرى.

يساعد إيقاف اشعارات مواقع التواصل الاجتماعي على تحسين الحالة النفسية ونوعية النوم
يساعد إيقاف اشعارات مواقع التواصل الاجتماعي على تحسين الحالة النفسية ونوعية النوم

الأثر النفسي والعقلي الإيجابي للتوقف عن متابعة مواقع التواصل الاجتماعي

الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي وتقليل استخدامها إلى الحد الأدنى يظهر تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية والعقلية. حيث يتيح الانخراط في أنشطة أخرى فرصة للفرد لتهدئة أعصابه وتفريغ ذهنه من الضغوط والتشتت التي قد يجدها ضرورية في حياته. والتي تصاحب غالباً الاستخدام الزائد لمنصات التواصل الاجتماعي.

ومن الآثار الإيجابية نذكر:

١- نوم أفضل

يساعد الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي في تحسين نوعية النوم وتخفيف اضطرابات النوم التي يعاني منها كثيرون من مستخدموا هذه المواقع. وذلك نتيجة لشعورهم الدائم بالخوف والقلق من تفويت الاخبار والتحديثات.

بينت دراسة أجريت عام 2021 تم فيها تحديد وتقليل استخدام مواقع التواصل عند 132 شخص لمدة أسبوع وخصوصاً في الفترة قبل النوم. أن هؤلاء الأشخاص تحسنت لديهم نوعية النوم وانخفضت اضطرابات النوم لديهم بشكل ملحوظ مقارنة بالأشخاص الذين لم يوقفوا استعمال المواقع.

٢- تخفيف التوتر

يؤدي تقليل وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانقطاع عنها ولو بشكل محدود إلى تقليل وتخفيض مستويات التوتر عند المستخدمين. وخصوصاً المستخدمين المفرطين.

أظهرت دراسة عام 2018 أن الامتناع عن مواقع التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع ساهم في تقليل التوتر بشكل ملحوظ عند مستخدمي مواقع التواصل. سواء كانوا مستخدمين عاديين أو مدمنين على استخدامها.

٣- الوقاية من الاكتئاب والتخفيف من الضغط النفسي

استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المفرط مشابه للسلوك الإدماني. حيث يشعر الشخص بحاجة ملحة لتفقد المواقع والتنبيهات والرسائل. وتجعله في وضع استنفار دائم وترقب لتفاعل الناس مع منشوراته وصوره وغيرها.

هذا الترقب والقلق ينتج عنه ارهاق وضغط نفسي مستمر. ويترافق مع زيادة احتمالية تطور الاكتئاب لاحقاً عند الشخص المتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي.

وفي دراسة أجريت عام 2018 على 143 طالباً في جامعة بنسلفانيا. طلب منهم تخفيف استخدام مواقع التواصل بمقدار نصف ساعة يومياً لمدة 3 أسابيع. وجد أن الشعور بالوحدة وعلامات الاكتئاب قد تراجعت بشكل ملحوظ عند هؤلاء الطلبة.

٤- تخفيف التوتر

وجدت الدراسات وجود ارتباط بين استخدام مواقع التواصل بكثرة وحدوث القلق الاجتماعي "Social Anxiety" والاحساس بالوحدة، وذلك بسبب القلق المرافق لاستخدام هذه المواقع والاحساس بعدم الكفاية والرضى عن النفس.

لذلك يساعد الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي في التخفيف من التوتر والاحساس بعدم الرضى عن الذات.